فن ومشاهير
في ذكرى رحيل ماريا كالاس… الصوت الذي نزف حباً ووجعا
جوزيفين حبشي
في مثل هذا اليوم (16 سبتمبر) من عام 1977، رحلت ماريا كالاس، ورحل معها جزء من سحر العالم. لكنها تركت لنا صوتًا لا يُشبه أي صوت… صوتًا يشبه الحب حين يُكسر، والدمعة حين تخنق ولا تسقط.
كانت ماريا أكثر من مغنية أوبرا. كانت زلزالا عاطفيا يمرّ عبر الحناجر، وجمرا يشتعل في الروح كلما غنّت. كانت امرأة من لحم ودم ونار، تُغنّي كما تُحب: بكل ما فيها. لم تكن تؤدي الأدوار، بل كانت تتقمص التراجيديا وكأنها كُتبت لها وحدها. كانت تعيشها حدّ الانكسار. تغني كما تبكي، كما تحب، كما تموت على المسرح ألف مرة… وترحل واقفة. كانت “توسكا”، و”نورما”، و”ميديا”، لكنها كانت دائما نفسها: امرأة تعرف كيف تصنع من الألم مجدا، ومن الوحدة فناً خالصا.
Screenshot
وفي حياتها الواقعية، عاشت تراجيديا أخرى… كانت قصة حبها لأوناسيس، حبا لم يعرف الاكتمال. أعطته قلبها، وصوتها، وعمرها… فأعطاها الغياب.
تركت المسرح لأجله، وخذلها حين احتاجت أن تكون البطلة الوحيدة في حياته. اختار جاكلين كينيدي، وظلّت ماريا في الظل، تحمل حبها كجرحٍ لا يلتئم… لكنها لم تُبدّد صوتها. بل غنّت به الحب الموجوع، والخذلان النبيل. رُميت بالكثير، حُوربت، أُحِبّت حتى العظم، ثم تُرِكت. ومع ذلك، بقيت شامخة، بصوت يحمل كل انكساراتها ويحوّلها إلى ذهب لا يصدأ.
ماريا كالاس لم تكن فقط سيدة الأوبرا، كانت أيقونة الوجدان الإنساني… امرأة أحبّت كما لا ينبغي، وغنّت كما لا يُتَصوّر. في ذكرى وفاتها، لا نرثيها، بل نُصغي. نُصغي جيدا. فبعض الأصوات لا تموت، بل تُدفن في القلب وتعيش هناك إلى الأبد. في ذكرى غيابها، نستمع إليها، ففي صوتها تعيش كل القلوب التي لم تجد من يحبها كما تستحق.