فن ومشاهير

إيلي صعب… وطن من قماشة الوفاء

Published

on

جوزيفي حبشي

احب ايلي صعب.  من صميم قلبي أحبه. لا لأنه مصمم مبدع  فقط، وفنان استثنائي وحسب ، ابهر ملكات العالم واميراته ونجماته بما ابتكرته مخيلته وانامله, بل لأنه اولا واخيرا يعشق لبنان، يتنفّس لبنان، يؤمن بلبنان وبكل ما هو لبناني. إيلي صعب ليس مجرد مصمم أزياء… إنه رواية عشق بين رجل ووطن. هو الذي لا يستخدم لبنان كعنوان تجاري، بل كنبض، كإلهام، كحقيقة.

Screenshot

اسمٌه يُحاكي الفخامة ويتجاوز حدود الموضة طبعاً، ولكن العالم والعالمية لم  يُغريانه ولم يجعلانه ينسى جذوره. اختار أن يبقى وفيّاً للبنان، ليس بالكلمات فقط، بل بالمواقف والأفعال.

إيلي صعب، ذاك الحالم الذي حمل لبنان في قلبه، لا في جواز سفره فقط، جعل من كل تصميم حكاية، ومن كل عرض أملاً يخترق غيوم الوطن المتعب.

من بيروت بدأت الحكاية، ومن بيروت لا تزال تُكتب فصولها. في عزّ الأزمات، ظلَّ إيلي صعب واقفاً، شامخاً، يُقاوم بانسيابية قماشه، وبصوت إبرته، وكأنّه يقول: “لبنان لا يُغلق أبوابه”. من بيروت بدأ، ومنها لم يرحل يوماً، حتى وإن استقبله العالم على سجاداته الحمراء، من باريس إلى هوليوود. لم يتخلَّ عن بلاده في أحلك الظروف، بل تمسّك بها أكثر، وجعل منها امتدادا لروحه، ومصدرا  لإلهامه. ففي الوقت الذي أقفل فيه كثيرون صالاتهم في بيروت وهربوا من عبء الانهيار، رفض أن يُغلق صالة عرضه في وسط العاصمة. لم يكن ذلك عنادا تجاريا، بل موقفا وطنيا بامتياز: “لبنان باقٍ… وأنا باقٍ فيه”. في عواصم العالم لديه فروع، أما القلب ففي عاصمة لبنان ، لأنه  آمن أن من بيروت يمكن أن يصعد الضوء من جديد.

Screenshot

حين جاء وقت فرح أولاده، لم تُغره قصور  أوروبا ولا جزر العالم الساحرة. اختار إقامة أعراس ولديه في وطن الأرز، ولم يكن ذلك مجرّد قرار شخصي، بل فعل عناد ووفاء. أراد أن يُظهر للعالم أن لبنان، رغم جراحه، ما زال  وطن الجمال ويستحق الفرح. وأن الحب لا يُهاجر، بل يُزهر هنا، حيث الجذور. وكأنّه يقول: “هنا الفرح، وهنا القلب،  وفي زوايا هذا البلد، وفي رائحة صيفه وصوت ناسه، شيء يشبهني… وشيء يشبه الفرح الحقيقي”.

Screenshot

ايلي صعب لا يُجيد الانسلاخ، والمجد العالمي لم يُغره.  ظل متواضعا ولم ينسَ الذين آمنوا به في البدايات.  الاعلامية مهى سلما، التي دعمته يوم كان شابا في اول الطريق، لم تغب عن ذاكرته.  اتصل بها شخصياً، وهنأها يوم علم انها ستُكرّم على كامل مسيرتها بجائزة من الموركس دور سنة 2010. قال لها ” كيف انسى ما فعلتِ للبنان واطفال لبنان “، ودعاها لاختيار فستان من داره، لتتألق به في الحفل،  عربون تقدير لرصيدٍ من المحبة والاحترام. هكذا هو  إيلي صعب، “ملك الوفاء” تقول مهى سلما، لا ينسى، لا يدير ظهره ولا يُنكر المعروف.

Screenshot

وعندما وصل لبنان إلى الأوسكار، يا لتلك اللحظة الرائعة، فتح  ايلي صعب داره أمام فريق فيلم The Insult للمخرج زياد دويري الذي حصل على ترشيح لافضل فيلم اجنبي .  كيف لا، وهو سبق أن البس معظم نجمات هولييود اثناء مرورهن على سجادة اشهر المهرجانات الحمراء.  كيف لا، ولبنان هو من سيمر في ذلك اليوم على السجادة الحمراء. الكاتبة جويل توما والممثلات ريتا حايك وديامان بو عبود وكريستين شويري، اخترن اجمل ابتكاراته ليمثّلن لبنان بأناقة تليق بحلم طال انتظاره. يومها، ألبسهنّ ايلي صعب  فخرا  لا قماشا فقط، وكأنّه يقول: “هذا مجدي ، ومجدي من  صنع وطني”. بدورها المخرجة نادين لبكي، اختارت تصاميمه في أكثر محطات حياتها المهنية أهمية، من مهرجان كان الى الاوسكار، لأن إيلي صعب لم يكن خيار أناقة فقط، بل خيار هوية.

Screenshot

وفاء إيلي صعب للبنان لم يقتصر على المناسبات الفنية، بل تعدّاها إلى الصورة الرسمية للدولة. فقد تواصل شخصيا مع السيدة الأولى نعمت عون في بداية العهد، وعرض التكفّل بكافة إطلالاتها الرسمية، معتبرا  إياها  وجه لبنان الجميل والانيق والساحر  دائماً. لفتة تعبّر عن إيمانه بأن الجمال ليس ترفاً، بل مسؤولية، وبأن صورة لبنان يجب أن تبقى مشرقة مهما اشتدّت العواصف.

Screenshot

ما يميّز  إيلي صعب ليس الإبداع وحده، بل ذاك الشغف الذي يشبه الوطن، والانتماء الذي لا تهزّه العواصف. كل غرزة في تصاميمه تحمل شيئًا من بيروت، من حجارتها، من ليلها المضيء رغم الظلام، ومن ناسها الذين لا يتخلّون عن الحلم.

Screenshot

إيلي صعب لا يحمل لبنان كشعار، بل كتفصيل داخلي في كل ما يصنع. هو وجه لبنان الجميل في عالمٍ يبحث عن الأمل. كل تصميم من داره، مهما ارتدته نجمة عالمية، يبدأ من إبرة غزلها في بيروت، ومن حلم وُلد بين جدرانها.

هو ليس فخر لبنان فقط… بل برهانه الصادق على أن من أحبّ أرضه بصدق، يرفعها معه كلّما صعد.

Advertisement

Screenshot

Screenshot

Exit mobile version