صحة
“البدانة”.. مشكلة صحية تحمل العديد من التأثيرات
بقلم سينتيا ابو خليل:
يرتبط الوزن الصحي ارتباطاً مباشراً بوظائف جسم الإنسان. ويوجد العديد من العوامل التي تسبب البدانة للجسم مثل السلوكيات الغذائية والنفسية للإنسان. وغالباً ما تكون البدانة حالةً معقدةً ذات منشأ وراثي، إلا أنه توجد بعض العوامل الأخرى التي تزيد من فرص حصول هذه المشكلة، مثل البيئة التي يعيش فيها الشخص ونمط حياته، مثل الخمول والنظام الغذائي غير الصحي وتناول المأكولات الغنية بالسعرات الحرارية، فضلاً عن التأثيرات الهرمونية ومعدلات الأيض.
وساعدتني طبيعة عملي كخبيرة تغذية على إدراك أهمية التواصل وبناء الثقة مع مرضاي، وخاصة أولئك الذين يعانون من البدانة، وغيرهم ممن خاضوا تجارب فاشلة أثناء محاولاتهم المتعددة لإنقاص وزنهم. ومن هنا، تبرز أهمية الدور الذي تلعبه شركة Allurion، وهي شركة مختصة بتصنيع أجهزة طبية وفق أحدث التقنيات المتقدمة أعمل فيها بمنصب استشارية، في إيجاد الحلول المريحة التي يقدمها متخصصو الرعاية الصحية للمرضى. وفي هذا الصدد، أظهرت دراسة أجرتها الشركة في المنطقة عام 2018 أن شخصين من كل ثلاثة أشخاص في الشرق الأوسط يعانون من زيادة الوزن أو البدانة لكنهم لا يميلون إلى طلب الاستشارة الطبية بسبب شعورهم بالإحراج وعدم ثقتهم أو جهلهم بقدرة المختصين على مساعدتهم في حل هذه المشكلة، فضلاً عن خوفهم الشديد من اللجوء إلى الخيارات الجراحية. وبالنتيجة، يبقى هؤلاء الأشخاص أسرى مخاوفهم المدمرة، حيث عبّر معظمهم عن عدم رضاهم عن الأساليب المُتبعة في إنقاص الوزن مثل اتباع الأنظمة الغذائية واللجوء إلى تمارين اللياقة البدنية والمُكملات الغذائية.
ولا حاجة للقول بأنه لا وجود لحلول سحرية لخسارة الوزن، وإنما برامج مدروسةً وفعالةً تستند إلى الأسس العلمية وخدمات الرعاية الصحية رفيعة المستوى. و للتخلص من هذه المشكلة مدى الحياة، من الضروري تبني أسلوب حياة جديد يحمل تغييراً إيجابياً على كافة المستويات واتباع أساليب ينصح بها المختصون في مجال الرعاية الصحية.
وهنا يبرز سؤال مهم، كيف يمكن التفريق بين الوزن الزائد والبدانة؟ للإجابة على هذا السؤال، يمكن اللجوء إلى مفهوم مؤشر كتلة الجسم (BMI)، حيث تصنف منظمة الصحة العالمية البالغين ممن يساوي أو يزيد مؤشر كتلة الجسم لديهم عن 25 على أنهم زائدي الوزن، أما إذا بلغ المؤشر 30 فهذا يعني أنهم يعانون من البدانة . وبشكل مخالف للتوقعات، أظهر برنامج Allurion’s Elipse Program الذي يتبع نهجاً شاملاً لإنقاص الوزن، أن 93٪ من الإناث و52٪ من الذكور في الإمارات ممن بدؤوا باتباع هذا البرنامج يمتلكون مؤشر كتلة جسم يتراوح بين 30 و33.9.
وتؤثر هذه الحالة المزمنة على جودة حياة الأفراد، وتنعكس تأثيراتها على جميع وظائف الجسم، من الوظائف التنفسية والقدرة على الإنجاب إلى الأنشطة الدماغية، مثل الذاكرة أو حتى المزاج. وتشكل أمراض القلب والأوعية الدموية أبرز ملامح هذا التأثير، حيث يُعد الارتباط بين وزن الجسم وتطور هذه الأمراض وثيقاً للغاية. فمع زيادة وزن الجسم، تزداد مستويات الكوليسترول وضغط الدم وسكر الدم والدهون الثلاثية والالتهابات، وهي عوامل خطورة قد تؤدي إلى الوفاة نتيجة الإصابة بمرض الشريان التاجي والسكتة الدماغية وأمراض القلب والأوعية الدموية .
من جهة أخرى، تُعتبر البدانة أحد أسباب الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، حيث يترافق ارتفاع عدد حالات البدانة في العالم مع ازدياد حالات الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. وفي هذا الصدد، أفاد الاتحاد الدولي للسكري في تقريره لعام 2019، أن واحداً من كل ستة بالغين في الإمارات مصاب بمرض السكري . كما كشفت دراسة أجراها مستشفى زايد العسكري خلال نفس الفترة، بإشراف البروفيسور Humaidan Al Zaabi، أن 4.7٪ من المرضى في الإمارات يعانون من مرض السكري في حين أظهر 41٪ منهم علامات تدل على ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم، وهو مؤشر يسبق الإصابة بهذا المرض .
ورغم أن العلاقة بين البدانة والسرطان ليست واضحةً تماماً، نظراً إلى أن السبب الرئيسي للسرطان هو مجموعة من المشاكل الناتجة عن التكاثر غير الطبيعي للخلايا، إلا أن الصندوق العالمي لبحوث السرطان والمعهد الأمريكي لأبحاث السرطان وجدا خلال دراسة أُجريت عام 2007 أدلة قوية حول وجود صلة بين البدانة و سرطانات المريء والبنكرياس والقولون والمستقيم والثدي وبطانة الرحم والكلى، إضافةً إلى وجود ارتباط محتمل بينها وبين سرطان المرارة .
وفي النهاية، من المؤكد أن تأثير البدانة لا يقتصر على جانب معين من صحة الإنسان أو عضو من أعضائه وحسب. ولا بد من تسليط الضوء أيضاً على نتائج الدراسة التي أجرتها Allurion عام 2018 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي أظهرت أن إنقاص الوزن يمثل أولويةً قصوى لمن يعانون من البدانة أو زيادة الوزن. لذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن مكافحة مشكلة بمثل هذا التشعب تتطلب اتباع نهج متعدد الأبعاد، يعتمد علاجات غير جراحية ولا تسبب الإحباط للمريض، مع اتباع نظامٍ غذائي صحي وتعزيز اللياقة البدنية.