فن ومشاهير
في ذكرى ميلاد سلوى القطريب، نحتفل بصوت يثبت أن الفن الحقيقي لا يموت
جوزيفين حبشي
في مثل هذا اليوم، 17 أيلول من عام 1953, وُلدت نجمة من نجوم الفن اللبناني، ووردة لا تذبل في بستان الطرب، وفراشة لا تطير، بل تغنّي.
انها سلوى القطريب ، ذلك الصوت الذي لا يشبه أحد سوى رنين الذهب. سلوى، تلك الطلة الآسرة التي لا تشبه سوى طلة الاميرات، تلك الغزالة بعنقها الطويل التي كانت إذا مشت، توهّمنا أن الموسيقى تمشي معها، وإذا صمتت، بكى الصدى شوقا لصوتها. لم تكن تحتاج إلى تكلّف أو مبالغة. كانت إذا وقفت، صارت المسرح. وإذا غنّت، صار الصمت موسيقى.
Screenshot
عندما كانت تغني سلوى، كنا نشعر أنّ الجبال تُنصت، والينابيع تهدأ لتسمع، والبحر يخفض موجه احتراما. في صوتها عذوبة النبع، ودفء الأمومة، وحزن العاشق الذي يعرف أن الحبّ قدرٌ لا مفرّ منه. عندما كانت تغنّي، كنا نشعر أن لبنان كلّه حاضر في نبرتها: الجبل، والنهر، والبحر والصباح.
غرّدت “خدني معك”، فاخذتنا فعلا بعيداً على جناح الحنين، إلى حيث لا وجع. سألتنا “شو في خلف البحر؟”، وكأنها كانت تبحث عن وطن وقلب لا ينكسران. “وعدوني” لم تكن مجرّد أغنية، بل صرخة صادقة من قلب امرأة عرفت أن الوعود تُكسر، ولكن الصوت… لا يُنسى. وفي “على نبع المي يا صبية”، عادت بنا إلى القرى، إلى الصبا، إلى دفء البيوت القديمة ورائحة التراب بعد المطر.
Screenshot
سلوى لم تكن صوتاً فقط، كانت كاملة الصورة: ممشوقة، راقية، مثل نسمة تأتي من بيت جبل تفوح منه رائحة الياسمين، وبحر يَعِد بصيد وفير من مراكب الصيادين . وقفت على خشبة المسرح، وعيونها تشعّ وهجا كالزمرّد ، من “بنت الجبل” إلى “ياسمين”، ومن “الأميرة زمرد” إلى شخصية شهرزاد التي سردت الحكايا على شاشة تلفزيون لبنان، إلى جانب النجم جورج شلهوب. كانت فنانة متكاملة، عاشقة للمسرح، عاشقة للحياة.
Screenshot
رغم رحيلها الجسدي عام 2009، فإنّ حضورها لا يزال حيّاً. كيف لا، وابنتها إلين لحود تحمل من صوتها ما يجعلنا نؤمن أن الفن لا يموت، والايقاع لا ينكسر، والنبض لا يتوقف، والميلوديا تستمر.
Screenshot
Screenshot
سلامٌ لروحكِ، يا سيّدة الطلّة والصوت، يا ابنة الضوء، ويا عطر أغنية لن تنتهي. في ذكرى ميلادك، لن نرثيك، بل سنحتفل بصوتٍ ما زال يُخبرنا أن الفن الحقيقي لا يموت.سنحتفل بوجهٍ لا تغيب عنه الأناقة، بعنقٍ يشبه الأرز، وبامرأةٍ كانت في كل ظهور… أغنية.
في ذكرى ميلادك يا سلوى، لا نقول وداعا، بل نرفع الصوت ونهمس: شكرا لأنك كنتِ، لأنك لا تزالين، لأنك ستبقين…
Screenshot