فن ومشاهير
جوزيفين حبشي
في 10 تشرين الثاني 2025، شهدت جامعة الكفاءات لحظة من أجمل اللحظات في تاريخها، حين كرّمت ابنها المبدع، الأستاذ والكاتب والسيناريست الكبير شكري أنيس فاخوري، تقديرا لمسيرته التي تركت بصمة لا تُمحى في الدراما اللبنانية والعربية، وفي قلوب الطلاب الذين تعلموا على يديه. في 10 تشرين الثاني 2025، كان المشهد أكثر من احتفال جامعي. كان اعترافا بجميل العمر الذي وهبه شكري أنيس فاخوري للدراما اللبنانية . عمرٌ من الكتابة والتعليم، من الحلم والمثابرة، من الوفاء للفنّ الذي آمن بأنه رسالة لا مهنة.
10 نوفمبر 2025 كان اثباتا أن هناك كتّابٌ يمرّون في حياتنا كنصوص جميلة: نقرأهم، نحبّهم، ثم نغلق الصفحة. وهناك كتّاب، لا نستطيع أن نغلق كتابهم ، حتى بعد الانتهاء من قراءته، لأنّهم يكتبوننا نحن، ويكتبون وجعنا وفرحنا، ويكتبون لبنان كما لم يكتبه أحد مثلهم. 10 نوفمبر 2025 كان اثباتا أن شكري انيس فاخوري هو عميد هؤلاء الكتّاب.
في زمنٍ كان التلفزيون اللبناني يبحث عن هويةٍ، وعن صوتٍ يرويه بصدق، لا بزخرفة ، جاء شكري أنيس فاخوري ليؤسس مدرسة كاملة في الكتابة التلفزيونية. لم يكتفِ بحكاية من 13 أو 30 حلقة، ولا بمواسم عابرة. هو من أرسى فكرة المسلسلات الطويلة، بطلب من فؤاد نعيم ( رئيس مجلس ادارة تلفزيون لبنان حينها )، تلك التي تمتدّ على أكثر من مئة حلقة، لأنّه كان يعرف أن الحياة لا تُختصر في شهرٍ واحد، وأن الإنسان يحتاج وقتا كي يُروى كما هو، بتفاصيله، بانكساراته، وبانتصاراته الصغيرة. من “العاصفة تهبّ مرتين” إلى “نساء في العاصفة”، ومن “اسمها لا” إلى عشرات الأعمال التي تبقى محفورة في الذاكرة، رسم فاخوري ملامح دراما لبنانية متكاملة . دراما تشبه ناسها ولهجتهم وهمومهم، وتعيد إلى الشاشة صدقها الأول.
كتب المرأة بجرأة وحنان نادرين، والرجل بضعفه وقوّته، والوطن بكلّ جراحه وأحلامه. كان يؤمن أن كل مشهد هو مرآة للواقع، وكل جملة وعد بالصدق. وحين كان يجلس امام الورق، كان كمن يفتح نافذة على الناس.كأنّه يعرف كل بيت في هذا البلد، وكل خوف صغير في قلوبنا.
لم يكن يكتب عنّا من بعيد، بل من قلب الحكاية، من التفاصيل التي نعيشها يوميا.ولهذا أحبّه الناس بصدق، وآمنوا أن أعماله ليست مجرّد مسلسلات، بل ذاكرة مشتركة. هو الكاتب الذي أعاد الاعتبار إلى النصّ التلفزيوني، فجعله أدبا يُحكى بالصورة، وفنا يليق باللبنانيين. هو المعلّم الذي خرج من الصفّ الجامعي إلى قلب الشاشة، فأنشأ أجيالا من الكتّاب والمخرجين والممثلين الذين تعلموا منه أن النجاح لا يأتي من اللمعان، بل من الإخلاص والواقعية . ولأنّه كبير في حضوره كما في تواضعه، ظلّ فاخوري ينسحب من الضوء ليتركه لطلابه.لكن الضوء، كما نعرف، لا يرحل عن منبعه. إنه باق كما تبقى الدراما فيه، وكما تبقى روحه في كل نصٍّ يُكتب بعده.
شكري أنيس فاخوري، يا من جعلت من الدراما اللبنانية وطنا ثانيا، يا من علّمتنا أن الكلمة يمكن أن تكون بيتا دافئا، وأن الحكاية يمكن أن تكون مرآة حياة، شكرا لأنك كتبتنا كما نحن، وشكرا لأنك تركت لنا حكاية لا تنتهي ، تماما كما كنت، وكما ستبقى، الكاتب الذي لا تُغلق صفحته أبدا.
تكريم جامعة الكفاءات لك ليس حدثا عابرا ، بل تاريخٌ يُضاف إلى تاريخ. هو احتفاء بكاتب جعل من الدراما مرآة لنا، ومن لبنان بطلا لا يغيب عن الشاشة، مهما تبدّلت الأزمنة. شكري أنيس فاخوزي، تحية من “فن–تاستيك”، ومني أنا “يوسفية” (كما يحلو لك مناداتي) ، اليك ايها الكاتب الذي كتبتنا جميعا ، وجعلت الكلمة بيتا ، والحكاية وطنا، والدراما ذاكرة لا تشيخ.
شكري أنيس فاخوري… شكرا لأنك علمتنا أن نؤمن بالحكاية مهما اشتدت العاصفة.