مرأة
Cancer العصر… ال Influencer
جوزيفين حبشي
درسَت حتى تورّم عقلها اكثر من شفاه محقونة بالفيلر. سهِرَت ، قرأت مئات الكتب، حفظت آلاف الصفحات، اجتازت اصعب الامتحانات ، كتبت أبحاثا علمية، ناقشت قضايا مصيرية، وكانت من الأوائل ومن المتفوقات ، ولكن … لا يزال عدد متابعينها على إنستغرام لا يتجاوز عدد سكان مبنى شقتها المؤلف من طابقين ، و حسابيها على “فيسبوك” لا يزال شبيهاً “بقهوة عالمفرق بلا موقدة وبلا نار “، مهجورة ولا يدخلها إلا صديقاتها المخلصات وبعض الأقارب بدافع الشفقة.
وفي المقابل؟ تظهر الانسة المؤثرة ” ناري نارين، ناري من جماله “، التي لا تُميّز بين الفاعل والمفعول به، “فتفعَل وتعمَل العمايل” في عالم السوشل ميديا، وتُنصَّب بسرعة قياسية ، ناطقة باسم الأنوثة والجمال، وتحظى بملايين المتابعين! تنشر story من 10 ثوانٍ عن نوع الفاونديشن، فتحصد في 3 ثوانٍ مليون مشاهدة، وعقد إعلاني بقيمة سيارة لامبورغيني! كتابها المفضّل؟ “كيف تصطادين ملايين الviewers في عشر دقائق ، وكيف تصطادين مليونيرا في عشرة ايام ”. ماذا تعني لها فيروز؟ هي لون رائع ، ولكن بين ال Turquoise وال Electric Blue, هي تفضل ال Bleu Nuit المناسب اكثر لها هي النجمة اللامعة . الايمان ينير دربها و القديس الوحيد الذي تتعبّد له وتؤمن به هو من دون ادنى شك ” القديس لوران”…ايف سان لوران!!! ومع ذلك، يتهافت عليها المعلنون ، كما يتهافت الذباب على ” السكر المحلي المحطوط على كريما”، ويمنحونها درجات من الدكتوراه وال PHD من وزن : “أيقونة”، “ملهمة” و”قدوة الجيل”! وحتى مجلات عالمية مثل فوربس لا تستطيع مقاومة كفاءتها العالية ، فقد أعلنت Forbes اخيرا عن شراكة مع Walmart لإطلاق حدث بعنوان Creator Upfronts، يُعقد يومي 28‑29 أكتوبر 2025 في لوس أنجليس ويستهدف «المؤثرين» والعلامات التجارية.
مؤثرة؟ قدوة؟ كيف لا، وهي التي ، في عصر “الوعي الذاتي”، تطلب منك أن “تتقبلي نفسك” بشرط أن تضعي الفلتر رقم 7 قبل أن تقولي كلمة “صباح الخير”. هي التي تنشر صورة لشفتيها بعد “الرتوش” وتكتب caption تحتها: “كوني أنتِ، لا تسمحي لأحد أنيحدّ من جمالكِ الداخلي“!!! نعم، فهي اكثر العالمات والخبيرات بالجمال الداخلي.العالمات؟ لا صوت لهن في الزحام. الصحافيات؟ منسيّات. المحاميات؟ قضيتهن فاشلة. الطبيبات؟ مُهمّشات، ففي عصر “الفلتر”، اندثر الفِكر، وفي زمن “الرعايات المدفوعة”، ماتت الكفاءة بسكتة قلبية . أما المؤثرات فـ”يناضلن” عبر فيديوهات “روتيني الصباحي لأظل مشرقة كالشمس”، و”طريقة وضع الكونتور في خمس ثوانٍ”، ويفزن على ذلك بأوسمة التأثير من شركات العناية بالبشرة، وبجائزة نوبل اللاوعي الجماهيري!
نعم، لقد تغيّرت مقاييس المجد:لم تعُد تُقاس بعدد الكتب، بل بعدد الفلاتر. ولا بعدد الشهادات الأكاديمية، بل بعدد عروض التعاون مع ماركات المجوهرات والعطور والعدسات اللاصقة! السطحيّة صارت مهنة، والتفاهة صارت صناعة ولديها منصة، صوت، ودخل شهري أعلى من دخل وزير ، والاهم لديها جمهور. جمهور اصبح للأسف مُصاباً بـ “عمى المحتوى”، لا يرى إلا من تُصوّر طبق فطورها تحت ضوء خافت، وكأنها اكتشفت علاجا للسرطان!
يا ايتها الموجوعة بالمعرفة، العالقة في دائرة “لماذا لا يُقدّرني أحد”؟ الحالمة أن يُقرأ لكِ مقال بدل أن يُشاهد لكِ reel: ” اشربي الزنجبيل ليصير جسمك بيسطّل تسطيل”، انتِ ومن الاخر : فاشلة. حتما فاشلة، لأنك لا تروّجين لشيء يمكن بيعه! المحتوى الفكري لا تأتي معه هدية مجانية عند الشراء ، ولا يمكن تغليفه بغلاف وردي مكتوب عليه “سبونسر”. ورغم انك فاشلة ، ابتسمي. ابتسمي و يكفيك تعويضاً أنكِ لا تروّجين لغسول وجه أغلى من كتابك الذي تعبت سنوات في تأليفه. ابتسمي يا عزيزتي، واضحكي على نفسك ، واقنعيها ان التاريخ لا يخلّد السيليكون، بل الكلمة.