Connect with us

Newsme

داليدا …ارادت ان تكون امرأة فقط: بقلم جوزفين حبشي

Published

on

جوزفين حبشي

اليوم ليس ذكرى عيد ميلادها في شبرا، ولا ذكرى وفاتها انتحارا كما حصل، او على المسرح امام ” البروجيكتورات” كما تمنت دائما. في مثل هذا اليوم لم تطبع اول قبلة على شفتّي فتى من المهاجرين الايطاليين مثلها، دعاها لتناول الكشري على ضفاف النيل، ولم تفز بتاج ملكة جمال مصر، ولم تطلق اغنيات طبعتها وطبعتنا مثل “جيجي لاموروزو” و”بيسامي موتشو” و Mourir Sur Scene وParoles Paroles وLaissez Moi Danser و”سالمة يا سلامة” و” حلوة يا بلدي”…. في مثل هذا اليوم لم يحدث شيء مهم ربما في حياة داليدا، ولكن المهم اليوم وكل يوم ، هو انني بمجرد سماع صوتها ، اشعر اني امرأة. امرأة بكل تلوناتها العشقية ، مكسوة حينا بالفرح والضوء وجناحيّ فراشة، واحيانا اخرى بالوجع والوحدة والفراغ. يكفي ان اسمع صوتها حتى يصبح للاحتفال بها الف مناسبة ومناسبة، حتى من دون مناسبة. لذلك لن انتظر المناسبات لاتكلم عن هذه الديفا والأيقونة و أجمل النساء بقامتها الممشوقة كسيف، وشعرها الغجري المسبوك بوهج الذهب تحت أشعة الشمس، وصوتها الاستثنائي الذي أبهر الجنرال ديغول فمنحها لقب “ميدالية رئاسة الجمهورية”.


هكذا ومن دون مناسبة ، سأخبركم عن صاحبة القدرة الاستثنائية على الغناء بتسع لغات، هذه الايطالية الاصل المولودة في شبرا في القاهرة عام 1933 التي أصبحت أهم مغنية استعراضية في العالم كله، بعدما سجلت أكثر من 2000 أغنية وباعت ما يزيد عن 170 مليون اسطوانة حول العالم وتلقت 70 اسطوانة ذهبية، وصوّرت 122 فيلما سينمائيا من ضمنها فيلم “سيجارة وكاس” مع سامية جمال في بداياتها، و”اليوم السادس” من إخراج يوسف شاهين قبل عام من وفاتها.
إنها تلك التي تمنت يوما ان تموت على خشبة المسرح أمام البروجكتورات وهي تغني حتى الرمق الأخير، ولكنها انتحرت وحيدة في غرفة غارقة في الظلام، تاركة خلفها رسالة تقول “سامحوني، الحياة لم تعد تحتمل”.
إنها من وضعت  حداً لحياتها الخاوية من الحب عام 1987 على رغم ملايين المعجبين، ولكنها لم تستطع ان تضع حداً لأسطورتها ولا أن تطفئ وهج نجوميتها الخالدة، فكرمتها الحكومة الفرنسية بعد رحيلها، بوضعها صورتها على طابع بريدي وأقيم لها تمثال بحجمها الطبيعي على قبرها في العام 2001. انها الاسطورة التي كرمتها السينما من خلال شريط عابق بالنوستالجيا والموسيقى ، من نوع السيرة الذاتية ، حمل اسمها عنوانا له. فيلم روى قصة اسطورة أيقونة وعاشقة مصابة بلعنة قدرية، حَلُم شقيقها ومدير أعمالها أورلاندو بتقديمه منذ فترة طويلة، ولكنه يئس من إيجاد الشخص المناسب ليساعده في كتابة سيناريو يفي داليدا حقها، الى أن عرّفه المنتج جوليان مادون على المخرجة الفرنسية ليزا ابنة المطربة ماري لافوري التي تعرف جيدا عالم الاستعراض. وحينها قال أولاندو: “وحدها المرأة تستطيع أن تفهم بشكل حميم وعميق ما عاشته أختي”. وفعلا، استطاعت ليزا ان تحترم الى حد ما الوقائع التاريخية، وتقدم تشخيصا نفسيا لشخصية داليدا. اما النتيجة فجاءت شريطا تكريميا بامتياز، يقدم داليدا بصورة مثالية تقريبا، شابة دائما، من دون عيوب تذكر. البعض لام المخرجة على هذا الخيار، ولكن مع قدر كقدر داليدا، ومع نجومية كنجوميتها، لا بد ان نتعاطف مع شريط تكريمي ومؤثر وحنيني، غير عابئين فعلا بالحقائق المخفية. واللافت أن المخرجة لم تكن من المعجبات بداليدا قبل الموافقة على تولي الفيلم. وما ان بدأت تغوص في كافة تفاصيل حياة الديفا، حتى شعرت انها مسحورة تماما بهذا القدر الاستثنائي، وخصوصا قدرها العاطفي الذي يشبه تراجيديا اغريقية. وقالت المخرجة أزويلوس”داليدا تركت رسالة تطلب فيها من الناس ان يسامحوها على انتحارها. وهنا شعرت من واجبي ان أوضح لماذا قررت الرحيل. أردت ان أجعلهم يتفهمونها ويعذرونها. إنها امرأة عاشت لعنة تلخصت بكونها امرأة عصرية أحبّت في زمن كان من الصعب عيش الحب بحرية. لم تستطع الإبقاء على طفلها من دون زواج، ولم تكن عمليات الإجهاض آمنة، فتسببت لها بالعقم”. وهكذا عاشت وحدة عاطفية وأمومة محرّمة كانت لتضمن لها الثبات العاطفي والحافز للاستمرار.
أما المهمة الأصعب فكانت تتلخص في إيجاد الممثلة القادرة على تجسيد شخصية داليدا الاستثنائية والفريدة بمظهرها وكاريزمتها ولكنتها الخاصة. مئات الممثلات تقدمن لإجراء الاختبار من دون جدوى، الى ان وصل فيديو الى يد المخرجة. المرسلة شابة إيطالية مجهولة في عالم التمثيل تدعى سفيفا الفيتي كانت لاعبة كرة مضرب، ثم فازت بمسابقة “إيليت موديل لوك” فسافرت الى نيويورك وعملت عارضة أزياء لمدة 9 أعوام. وعلى رغم أنها حلمت بأن تصبح ممثلة، إلا أنها كانت مقتنعة ان فرصة فوزها بدور داليدا شبه معدومة. تقول سفيفا: “كمعظم الايطاليين كنت أعرف أغنياتها، ولكنني لم اكن أعرف أي شيء آخر عنها. ثم شاهدت لها مقابلة على يوتيوب، فتأثرت بها وشعرت أنني قريبة منها، وكأنني أفهمها في العمق. لقد تمنيت ان أجسد شخصية هذه المرأة الحساسة واللطيفة جدا والقوية. وبدأت أحلم ولكنني لم أجرؤ على الذهاب شخصيا، فأرسلت شريطا مصوّرا عبر تلفوني”. وعندما شاهدت المخرجة الفيديو أدركت أنها وجدت داليدا. وعندما غنّت سفيفا je suis malade، اغرورقت عينا ليزا أزويلوس بالدموع. أما أولاندو شقيق داليدا فلم يقتنع بتلك الإيطالية ولم يتأثر بها في البدء. وبعد عدة لقاءات غيّر رأيه، وفي أول يوم تصوير، أرسل لها رسالة تقول: “منذ اليوم، أصبح لدي شقيقة جديدة”.
إعداد سفيفا استغرق 9 أشهر لتتعلم اللغة الفرنسية والرقص والغناء، كما خضعت يوميا خلال أشهر التصوير لأربع ساعات من الماكياج، ووضعت  شعرا مستعارا وأنفا اصطناعيا وأسناناً اصطناعية  لتتحوّل بعدها الديفا داليدا. وفعلا نجحت هذه الإيطالية المغمورة في عالم التمثيل في إعادة إحياء داليدا بكل سحرها وشغفها واتقاد نيرانها الداخلية والخارجية، ورسمت لنا “بورتريه حميم” لامرأة استثنائية تعيش ازدواجية مطلقة، فهي معقدة ومرحة في آن معا، شغوفة وعصرية في زمن مكبل بالتقاليد، تشع بألف لون ولون تحت الأضواء، ولكنها حزينة ووحيدة عندما تخلو بنفسها. هذه الازدواجية بين النجمة والمرأة هو عقدتها والمحرك الأساسي للفيلم ، فهي قالت يوما “الرجال ينامون مع داليدا ويستيقظون مع يولندا، و”كل النساء كنّ يرغبن ان يصبحن داليدا، وداليدا كانت ترغب أن تكون امرأة فقط لا غير”.

Continue Reading
Advertisement Ad placeholder
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Advertisement Ad placeholder

أحدث التعليقات

التقويم

أبريل 2024
ن ث أرب خ ج س د
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930  

الارشيف

© كافة الحقوق محقوظة 2023 | أخبار الشرق الأوسط - News Me | تصميم و تطوير TRIPLEA