Connect with us

Uncategorized

ابي يعتقد ان الله عقله كبير… خواطر _ جميل ضاهر

Published

on

عسى ألا يكون خاب أملك كما قلت لي يوماً حين سألتك لماذا لا تصلي في الجامع؟ حينها أجبتني بحكمة القمح: لا أصلي في الجامع ولا في أي مكان آخر، لأني أراهن أن الله الذي خلق السموات والأرض أكيد عقله كبير…
 
أدهشتني يا أبو علي، فمن أين لك هذا الجواب في بلاد كل المسائل فيها تنتهي بجملة (بإذن الله .. وإذا الله بيريد… واتكلنا على الله)..!؟
 
أذكرك في السحور الرمضاني وأنت تساعد أمي قليلا في توضيب (صدر الطعام) قرب المدفأة، مستمعاً مستأنساً لإذاعة دمشق حينها أو صوت العرب من القاهرة، بانتظار صوت سيد مكاوي ينشد المسحراتي. أذكر إيمانك المبتسم المصغي إلى جمال الأشياء، فصمت ليل الجنوب، وقمر الشتاء الخجول، ونعاس النسمات القادمة من البعيد ترافق صوت ذاك المغني منادياً يا نااايم وحّد الداااايم…  السحور ومن ثم مباشرة دعاء مسهب في مخاطبة السميع القدير الذي لا يحمد على مكروه سواه…
 
أذكر في أحد الأيام وأنا أركض نحو الزواريب الصغيرة التي تتوحد لتصب في ذلك المبنى الأبيض الصدئ- مدرسة القرية… صديقي حمزة يركض نحوي وخلفه محمد ليخبراني أنك يا والدي كنت (تجبّر) يد كلب مكسورة في ساحة القرية… لا أخفي عليك، انزعجت حينها وخشيت أن يراك آخرون ويلحقوا بي في ملعب المدرسة وينادونني متهكمين أني ابن حكيم الكلاب… نظرت إليهم أبحث عن جواب ينهي هذه الجمهرة: “أبي لا يخاف الكلاب، وهو يطبب الكلاب والبشر.. وما الفرق؟”.
 
ضحكوا لجوابي وانتظرت العودة إلى البيت لأسألك لماذا تقوم بتطبيب الكلاب في ساحة القرية…؟
 
أذكر جيداً تعليقات أمي التي كانت تبدي انزعاجها من ضيوف الفجر أو أنصاف الليالي، يأتون إلينا بعد مشاجرات عائلية، أو سقوط أحدهم من شجرة جوز أو حورة، أو بعد صراع رعاة يتضاربون بالعصي فيكسر أحدهم الآخر، يأتون على وسائل نقلهم الخاصة من مكان الواقعة وغالباً ما تكون دابة من الحمير أو البغال، يربطونها بعامود العريشة ويبدأون بالنواح ومناداتك “ياااا أبو علي… دخليك يا أبو علي، يرحم والديك…”، يشكون وجع كسور أيديهم أو أرجلهم، وأحدهم جاءك حاملاً فكّه والخوف يملؤه… كنت تقوم بتجبيرهم لوجه الله الذي وهبك هذه المعرفة،  ومن ثم تعود إلى فراشك مع تمتمات أمي التي تعيد الأسطوانة ذاتها… (فتح مستشفى الدكتور أبو علي) من أعطاك شهادة؟ يذهب الناس إلى فرنسا وأميركا ليحملوا شهادة الطب، فيما أنت تجلس هنا تحت العريشة تطبب وتداوي ولا تخاف إن خاب علاج أحدهم وقام بالشكوى علينا فماذا سيكون حالنا..؟
 
تنام قليلا لتنطلق إلى بستانك فتنسى وتنسى أمي أمام أشجار التوت والكرز وبقايا اللوز المتعمشق في أعلى الشجرة… يا أبي في غيابك كثرت الصلاة، وقلّ الإيمان… زاد الخير قليلا فازداد الشر أكثر… كبرت الأشجار وقلت الثمار… السيارات أخذت مكان الحمير، والناس تركت سلامها في مكان ما وأضاعته… في غيابك يا أبي اختلفنا على “القبلة” واخترعنا أصناماً نعبدها… الفرق يا أبي أن هذه الأصنام تأكلنا هي متى شاءت، والسماء باتت عدوة نرشقها بالرصاص كلما فتح صنم فمه… قلَّ المطر وهطلت البراميل المتفجرة.
 
أعود إلى زوايا المكان الذي تسحّرنا فيه تلك الأيام، فلا أجد  صوت المسحّراتي… حتى الليل بات شيئاً آخر… لم يعد معتماً تماماً، ولا الثلج أبيض كتلك النتف التي كانت تتناثر فوق العريشة، تلتصق بشجرة السرو الشامخة، تبطحها وتلويها لتصبح مترنحة كعارضة أزياء من روسيا البيضاء، أثقلها فرو الدب المدلى على جيدها فاختبأت بأعين الناظرين.
 
أخبرك يا أبي أن كثيرين من الشهود غابوا وظلت حكاية (علاجك) ليد الكلب القصة الأكثر حضوراً في ذاكرة القرويين (الله يرحمه أبو علي… حتى الكلاب كان يداويها).. أنا مطمئن عليك وأنا مثلك أراهن أن من خلق السموات والأرض لا يمكن أن يكون غير ذلك.. عقله كبير.
بقلم : الإعلامي جميل ضاهر

Continue Reading
Advertisement Ad placeholder
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Advertisement Ad placeholder

التقويم

نوفمبر 2024
ن ث أرب خ ج س د
 123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930  

الارشيف

© كافة الحقوق محقوظة 2023 | أخبار الشرق الأوسط - News Me | تصميم و تطوير TRIPLEA