فن ومشاهير
الذكرى العاشرة لغياب الساحر عمر الشريف

النجم العالمي عمر الشريف كان مصاباً بمرض الزهايمر في أيامه الأخيرة، وهذا ماجعله يسأل مرارا وتكراراً ابنه طارق عن زوجته السابقة وحب حياته فاتن حمامة، بعدما نسي تماماً أنها توفيت في 17 كانون الثاني 2015. لكن عاشق السينما والمقامرة الذي قامر باستقراره العائلي من أجل الفن السابع أضاع ذاكرته، إلا أنه لم ينس أن يموت حباً بفاتن ويرحل بعدها بستة أشهر، إثر أزمة قلبية، في 10 تموز 2015

Screenshot
قصة عمر الشريف تشبه فيلماً سينمائياً. إنها قصة شاب وسيم وساحر وكاريزماتيكي يدعى ميشال ديمتري شلهوب، ولد في 10 نيسان عام 1932 في الإسكندرية في كنف أسرة ميسورة مؤلفة من والد لبناني زحلاوي وتاجر أخشاب يُدعى جوزف، ووالدة من أصل لبناني–سوري تدعى كلير سعادة. على رغم حبه الشديد للتمثيل، تأخر “عمر” في السفر الى الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن، فهو بدأ حياته الجامعية بدراسة الرياضيات والفيزياء وعمل لمدة خمسة أعوام في تجارة الأخشاب مع والده. جاذبيته لفتت نظر المخرج الراحل يوسف شاهين الذي التقاه على مقاعد الدراسة فيكلية فيكتوريا في الاسكندرية، واختار له اسماً فنياً عربياً هو عمر الشريف، وقدم لهفرصتي عمره. الفرصة الأولى بطولة أول فيلم له “صراع في الوادي” عام 1954،والفرصة الثانية هي فاتن حمامة النجمة المحبوبة وبطلة الفيلم أمامه التي جمعتها بهقصة حب كبيرة انتهت باعتناقه الإسلام والزواج بها عام 1955 بعد طلاقها من المخرج عز الدين ذو الفقار، لينجب منها ابنه الوحيد طارق.
طبعاً لاقى الفيلم نجاحا كبيرا وتحوّل عمر الشريف نجماً مصرياً وعربياً حيث شارك بين العامين 1954 و1962 في عشرات الأفلام مثل “أرض السلام” و“غلطة حبيبي” و“في بيتنا رجل“ و“لوعة الحب” و“حبي الوحيد“. كما شكّل عمر الشريف مع فاتن حمامة ثنائياً سينمائياً، وقدما معاً خمسة أفلام بعد شريطهما الأول، وهي “أيامنا الحلوة” عام 1955، و“صراع في الميناء” عام 1956، و“لا أنام” عام 1957، و“سيدة القصر” عام1958، و“نهر الحب” عام 1960.
سحره وطموحه وموهبته كانوا أكبر بكثير من أن يحصر نفسه في السينما المصرية، فجاءته فرصة عمره الثالثة مع الشهرة العالمية عام 1962، عندما اختاره المخرج دايفيد لين للمشاركة في “لورانس العرب” عن طريق الصدفة، وبسبب رشدي أباظة. فأثناء التحضير للفيلم التاريخي الحربي الدرامي عن تي إي لورانس (بيتر أوتول) قائد الثورة العربية في الأردن عام 1916، طلب المخرج الاستعانة بممثلين من مصر لأداء دور عودة أبو طايع. يومها تم ترشيح الفنان الكبير رشدي أباظة لهذا الدور، ولكن دايفيد لين طلب منه أن يسافر لإجراء إختبار أمام الكاميرا.

Screenshot
رشدي أباظة اعتبر الأمر إهانة، فرد فوراً بأن أفلامه تملأ صالات السينما، وما على دايفيد لين وفريقه سوى أن يشاهدوا أحدها ليتعرفوا الى موهبته. رشدي أباظة لم يسافر ودايفيد لين لم يشاهد أي فيلم له، ولكنه شاهد عمر الشريف الذي سافر وأجرى اختبارات الكاميرا والإلقاء واللغة.
هذه الفرصة الثالثة في حياة الشريف كانت أكثر من ثابتة، فشريط Lawrence of Arabia هو حتى اليوم من أفضل الأعمال السينمائية العالمية ومن أهم الإنتاجات البريطانية على الإطلاق. وقد قدم من خلاله أداءً رائعاً، رُشح على أثره لجائزة أوسكارأفضل ممثل في دور ثان وفاز عنه بجائزة غولدن غلوب وبشهرة عالمية تُرجمت بأفلامعديدة، أشهرها Doctor Zhivago من إخراج دايفيد لين عام 1965، الذي فاز عنه بجائزة غولدن غلوب للمرة الثانية كأفضل ممثل في دور رئيسي، وقد أدى فيه شخصية يوري الطبيب والشاعر الروسي في ظل القيصرية والثورة البولشيفية عام 1917.
العالمية والاستقرار في أوروبا والتركيز على السينما الأميركية والأوروبية ابتداءً من عام 1965 أثروا بشكل مباشر على علاقته بفاتن حمامة التي شهدت اضطرابات عديدة خصوصاً بسبب شائعات علاقاته الغرامية الكثيرة وأشهرها مع النجمة إنغريد برغمان. عام 1974 انتهى زواجه بفاتن ولكن حبه لها استمر، فهو صرّح أنه لم يحب امرأة غيرها،على رغم أنه وقف أمام أكبر نجمات تلك الحقبة أمثال جولي كريستي وصوفيا لورين وإنغريد برغمان وباربره سترايسند، وقدم مجموعة كبيرة من الأفلام المتنوعة بين الدرامي والكوميدي، واشتهر خلالها بشخصية زير النساء الغامض والوسيم، نذكر منها The Yellow Rolls Royce و Green IceوThe Last Valley و The Pink Panther Strikes Againو Top Secret. ويظل أشهرها فيلم Funny Girl للمخرج وليام يلر الذي جمعه بالنجمة بارباره سترايسند عام 1968، وقد قيل إن قصة حب جمعت بينهماداخل وخارج بلاتو التصوير، ولكن اللوبي الصهيوني تدخل لإفشال علاقتهما لأن عمر منأصل عربي.

Screenshot
علاقته بسترايسند ومشاركتها الفيلم تسببا يومها بسحب جنسيته المصرية منه، فظلبعيداً عن وطنه الى أن قابل الرئيس أنور السادات عام 1975 في البيت الأبيض أثناء إستقبال الرئيس جيرالد فورد له، فأعاد له الجنسية، وهكذا استطاع الشريف العودة الى مصر والمشاركة في أفلام مثل” أيوب” عام 1983 و“الأراجوز” عام 1989 و“المواطن مصري” عام 1991.
في التسعينات استقر عمر الشريف في مصر بعد انحسار أضوائه العالمية، فقدم شريط“حسن ومرقص” مع النجم عادل إمام عام 2008 و “المسافر” مع النجم خالد النبويعام 2010.
أيضاً حصد عمر الشريف جائزة السيزار الفرنسية عن دوره في فيلم “السيد ابراهيموأزهار القرآن” للمخرج فرانسوا ديبرون، وآخر فيلم شارك فيه هو Rock The Casbah للمخرجة وكاتبة السيناريو المغربية ليلى المراكشي من بطولة النجمتين اللبنانية نادينلبكي والفلسطينية هيام عباس. واللافت أنه في هذا الدور الأخير قدم فعلاً شخصية الرجل الميت إثر أزمة قلبية.

Screenshot
على رغم غياب عمر الشريف إثر أزمة قلبية، قبل 10 أعوام ،لن ينسى عشاق السينماتاريخ أسطورة السينما المصرية والعالمية، على رغم أنه توفي ناسياً أفلامه وذكرياته ووفاة فاتن حمامة نتيجة إصابته بمرض الزهايمر.
عمر الشريف لم يضع وقته. عاش حياته بالطول وبالعرض بين بلاتوهات التصويروالفنادق والمطارات والكازينوهات وأحضان أشهر النجمات وأحلام معظم النساءوقلب فاتن حمامة الذي فضّل ربما أن ينسى أنها توفيت حتى يستطيع التشبث ستة اشهر بالحياة من بعدها.