Connect with us

ثقافة

النجم انسان، فلا تجلدوه

Published

on

جوزيفين حبشي

” ارحموا من على الارض، يرحمكم من في السماء”. كثيرون يؤمنون بهذه المقولة، فكيف يُطلَب من هؤلاء الكثيرون  ان يرحموا فنانا ما، اخطأ أو  تعثر، وقد بُنيت صورته  على أنها مثالية ألوهية، ايقونية، موجودة عاليا، فوق، فوق،  فوق بين النجوم في السماء؟

هكذا تبني معظم الوكالات وشركات الانتاج ومدراء التسويق لدى الفنانين صورة النجم الأيقونة “غير القابلة للمساس”: فنان إله يُعبَد ولا يُشكك به وبقدراته. فنان نجم يسطع ولا يبهُت، يبرق ولا يضعُف، يلمع  ولا ينطفئ ، هناك، في البعيد، في السماء ، ومستحيل الوصول اليه. هكذا تُكوّن شخصية النجم ، بكثير من الغموض  والسحر والسلوكيات المثالية والاخلاقيات العالية والرسائل المؤثرة كالقوة والحب والنضال والثورة، وبكثير من التحكّم  في الصورة الإعلامية والفيديوهات، والتصريحات التي تُظهر الفنان في أفضل صورة ممكنة. كل كلمة أو ظهور عام يتم تحضيره مسبقا، فيصار الى  إخفاء جوانب الضعف، الأخطاء، أو لحظات الإخفاق. كل هذا يمنع الجمهور من رؤية الجانب البشري الطبيعي للفنان. كل هذا يُحَرِّم على الجمهور  بينه وبين نفسه، أن يتجرأ على توجيه لوم او عتاب او انتقاد لفنانه الايقونة. هل يجرؤ احد ما على توجيه انتقادٍ، مهما صغر حجمه، الى فيروز مثلا؟ الى أم كلثوم مثلا؟ حتما لا، وليس لانهما منزّهتان عن الخطأ، بل لأنهما ايقونتان، بعيدتان  جدا عن متناول اليد والعين،  في مكان خاص، لا يُلمَس ولا يُداس ، والايقونات لا تُرَش سوى بالورود.

كل هذا يساهم في انفصال الفنان عن الواقع، فيصبح رمزا أبعد من شخص حقيقي، صورة مصقولة بلا أخطاء، أخلاقيات شبه مثالية، وموهبة تبدو بلا حدود. الجمهور يتعلم رؤية الفنان “كأيقونة” لا كإنسان، وما أن يظهر الفنان كإنسان، يتألم، يحزن، ينكسر، يحب، يغار، يخون، يُخان،  يكتسب وزناً وتجاعيداً ، حتى تهتز تحت اقدام الجمهور، الارض الثابتة على مفاهيم  ثابتة زُرعت في رأسه حول نجمه المحبوب. فجأة، يشعر الجمهور بالصدمة بسبب التناقض الكبير بين صورة الأيقونة التي ارتسمت في ذهنه وبين الواقع البشري الطبيعي للفنان الذي قد يعاني أو  يضعُف أو يخطئ أو  ينهار. فهل يجوز جلد الفنان عندما لا يبدو في صورته المثالية الملمّعة؟ لا. هل يجوز تحويل الفنان إلهاً وايقونة؟ لا.

لا الفنان من الآلهة، لا يخطئ بالشكل والمضمون، ويسكن بين النجوم في الفضاء الفسيح، ولا الجمهور  جلاد  فاقد للانسانية . الفنان انسان مثله مثلنا، كل ما في الأمر أنه يمتلك موهبة الصوت البديع، او الاداء التمثيلي الجميل، أو  العزف أو الرسم أو الرقص، تماما كما تملك انت موهبة الخياطة، وهي موهبة الطبخ وهؤلاء موهبة النجارة والحدادة والعمارة وادارة الاعمال. الفنان انسان ، لا تؤلهوه، ولا تجلدوه، ولا تتنمّروا عليه ولا ترجموه. أحبوه  فقط. الحب  وحده كفيل بتضميد الجراح، شفاء الروح والقلب والجسد، ومكافأة التميّز.

Advertisement
Ad placeholder
Continue Reading
Advertisement Ad placeholder
Advertisement Ad placeholder

التقويم

يوليو 2025
ن ث أرب خ ج س د
 123456
78910111213
14151617181920
21222324252627
28293031  

الارشيف

© كافة الحقوق محقوظة 2023 | أخبار الشرق الأوسط - News Me | تصميم و تطوير TRIPLEA