“اسود” بالتنفيذ، “ابيض ” بالمعالجة لأنها بتكشف المستور، وهيدا المطلوب

من اول ما بلش عرض مسلسل ” اسود” وانا حاسة انو هيدا العمل لازم يكون “من جوا، اكتر من برا”، من بواطن النفس اكتر من المظاهر والقشور، اجواء وايحاءات اكتر من الواضح والمباشر. من اول حلقة من “اسود” حسّيت انو” اسود” الفعلي ، هي ورد الخال بشخصية مارغو. شخصية قاسية، شريرة، انتهازية، انانية، جامحة، ما في حدود توقف عندا، ما في اخلاقيات تتمسك فيها، لدرجة انها على علاقة مع خطيب بنتا. هالشخصية، انذرنا نص الكاتبة كلوديا مرشليان ورؤية المخرج سمير حبشي من الاول، انها بير غميق من الاسرار والمفاجآت اللي رح نكتشفها تباعا، وفعلا بمنتصف المسلسل، تسلّط الضو على حقيقتها. حقيقة صادمة وشاذة متل الكف على الوج، والاهم انها حقيقة حقيقية، مش من نسج الخيال، وهون تحية كبيرة للممثلة ورد الخال اللي تجرأت تقبل بدور ممكن يخوّف معظم الممثلات. دور مش بس بيكسر صورتها، لا بل بيشوها وبيبشعها، بس بالمقابل بيظهر قدراتها الكبيرة على لبس جلد مش جلدا.

ايضا تحية كبيرة لكلوديا مرشليان الجريئة بطرح موضوعات “تابو” ومن المحرمات من بداية مسيرتها مع الكتابة الدرامية. شخصيات كلوديا مش مجرد اميرات احلام عايشين بالمدينة الفاضلة البعيدة تماما عن الواقع. شخصيات كلوديا شخصيات من هالحياة الصعبة، من هالعالم المجنون والموتور. شخصيات معنّفة، محطمة، ثائرة، قوية، مناضلة، عاهرة، سحاقية، مجرمة، بريئة، مغتصِبة، مغتَصبة. واليوم عم بتتوّج هالجرأة بفضح واقع موجود بقوة رغم التستر عنو، وهو واقع المرأة المريضة نفسيا مع غريزة جامحة وفانتاسمات غريبة، وهوس بيدوفيلي، وانحطاط اخلاقي عالي وحس انساني واطي( بسبب المرض) . واقع موجود عند النساء والرجال على حد سواء، وضحاياه صبيان وبنات على حد سواء، متل اسود المسلسل، وليد( باسم مغنية) اللي بيلبقلو اكتر لقب ” رمادي” لأنو ببساطة مزيج من بياض طفولة تلطخت بسواد الوحشية على ايدين مارغو وعشاقا، فصارت مهزوزة، عم تسعى للانتقام لترتاح، من دون ما تقدر بيوم تتخطى الوجع لتعيش حياة طبيعية.

مسلسل”اسود” غير تقليدي، صادم بموضوعو الاساسي اللي يعتبر نقطة قوتو الاولى ، مليان بالاجواء النفسية والتشويقية ( رغم تكرار بعض عوامل التشويق لدرجة ما عادت تشوّق كتير او تنقّز) ، وبشخصيات قاسية لأنها موجوعة. حتى مارغو يمكن نتعاطف معها بالاخر اذا اكتشفنا سبب هوسها المريض اللي خلاها تصير خاتم باصبع الاهواء. عم قول يمكن نتعاطف معها، لازم ننطر ونشوف.
مارغو واسود هني حتما دينامو المسلسل والحبكة والقوة، وبتساندهن شخصيات تانية بتتفاوت اهميتها، واهمّن ملكة ( ميري ابي جرجس) اللي تعرضت بطفولتها للوحشية بعد وفاة امها، ولاقت عند اسود ومع الاولاد جنتها المفقودة وطفولتها المسروقة. ملكة بتعتبر انو عمرا١٠ سنين، من ساعة ما خلقت من جديد بجنة الاطفال اللي خلقها اسود. ١٠ سنين مش بالمعنى الحرفي للكلمة، لهيك ما كان في داعي ابدا ينحطلا بكلة ولادية بشعرا، وكان بيكفي نشوف الفرح والبراءة بعيونا مع الاولاد لتوصل الفكرة. وعلى فكرة، انطوانيت عقيقي ( بنت خالة ملكة بالمسلسل) لافتة جدا جدا بدورا المعجون بالوجع والضحكة. لأول مرة بتقنعني هالقد، وبتخلي عيوني يدمعوا بمشهد كلامها عن المرا الميتة اللي حستها امها وكان عبالها تغمرها. سوا، انطوانيت وميري، عم بيقدموا اداء مؤثر وحقيقي، وعم بيشكلوا ” ثنائي” تاني بيشرقط والتفاعل بيناتن صح( الثنائي مش ضروري يكون رجال ومرا بس).

مسلسل اسود ابتدا غامض،في عندو هوية ورؤية خاصة (بيشتهر فيهن سمير حبشي)، حلو بصورتو الخارجية( رغم سوداويتها وبشاعتها الداخلية)وعم بيتابع بخطة تصعيد التشويق حلقة ورا حلقة وصولا للذروة بمنتصفه، مع كشف الحقيقة الصادمة متل كف ما كنا متوقعينو، رغم معرفتنا انو في شي خطير حصل مع اسود الطفل. وطبعا منتأمل انو سمير حبشي يقود هالنَفَس التصاعدي للنهاية ، وما ينفِس المسلسل بالقسم التاني منو. بس رغم نجاح ” اسود” جماهريا، وحب الناس ومتابعتن إلو، هيدا ما بيعني انو “مبيّضا” ميّة بالميّة. بيضلّ في بعض الهفوات والضعف بمعالجة بعض الخطوط الجانبية للقصة الرئيسية ، وبعض ردود الفعل، والسرعة غير المقنعة بولادة مشاعر بين الخاطف والمخطوف ( التعاطف مع الخاطف شي طبيعي بعالم الطب النفسي ومعروف بمتلازمة ستوكهولم، بس بدو وقت وتمهيد ) . ايضا المناخات والاجواء المطلوبة كانت بتكون اقوى بكتير بعد، لو تصوّرت من عدة زوايا . في تكرار ببعض الاحيان بيخسرنا عامل المفاجأة، وفي كاريزما غايبة بين بعض الثنائيات، وفي شخصيات ثانية ضعيفة مقارنة بالشخصيات الاساسية ، مغمّة وكان لازم يتضوّى عليها بطريقة تانية( اسمى) ، وشخصيات متل الديكور ما بتقدم ولا بتأخر ، وشخصيات عم بتبالغ بالمظاهر( ماكياج وجخ وقت مرحلة الخطف والخوف والقلق) . المضمون الداخلي والموضوع التابو والحالات النفسية والثنائي ورد الخال وباسم مغنية هني سر قوة اسود، لحد هلأ.

“اسود”
كتابة كلوديا مرشليان
اخراج سمير حبشي
انتاج ايغل فيلمز( جمال سنان).