Uncategorized
الاقتصاد السوداني . غنى الموارد وتداعيات الصراعات
لا شك بان الاقتصاد السوداني يعاني من ازمة كبيرة ، ووراء هذه الازمة تقف اسباب عديدة ، من اهمها العقوبات الامريكية المفروضة على السودان منذ عام 1997م ، وهي عقوبات انهكت الاقتصاد السوداني وتسببت له في خسائر فادحة ، في يناير عام 2017م قال وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني بدر الدين محمود : ” إن خسائر الخرطوم بلغت 45 مليار دولار خلال الفترة الماضية ” ، في حين رأى خبراء اقتصاديين بان خسائر السودان نتيجة العقوبات تصل إلى أربعة مليار دولار في العام ، كما ان الحروب والصراعات التي عانى منها السودان في الجنوب وفي اقليم دارفور كان لها دور كبير في خلق الازمات والمشكلات التي الحقت الضرر باقتصاد السودان ، وليس خافيا على احد بان انفصال جنوب السودان وولادة دولة الجنوب في يوليو عام 2011م ، وخسارة السودان لانتاج وتصدير النفط الذي تقع حقوله في الجنوب قد كان له دور كبير في معاناة السودان وحرمانه من عائدات النفط لانعاش اقتصاده فقد حرم السودان من حوالي 75% من عائداته النفطية ودخل الاقتصاد السوداني في حالة الانكماش ، الان في عام 2018م وصل معدل التضخم الى مستويات قياسية حيث بلغ 67% ، هذا ما دفع الحكومة السودانية الى اتخاذ مجموعة من الاجراءات والقرارات والسياسات الاقتصادية لانقاذ اقتصاد البلاد ، الاحد 7 اكتوبر الجاري قامت الحكومة السودانية بتحديد سعر جديد لصرف العملة المحلية عند 47.5 جنيه للدولار، وقبل ذلك بايام اعلن البنك المركزي السوداني بانه سيتم تحديد سعر الصرف اليومي من خلال هيئة مشكلة حديثا من المصرفيين ومكاتب الصرافة في إطار حزمة إجراءات لمواجهة الازمة الاقتصادية ، واضاف البنك المركزي السوداني بانه سيتم طباعة عملة جديدة من فئة 100 جنيه للمرة الاولى ، مؤكد انها ازمة عميقة تلقي بظلالها على اقتصاد السودان البد الغني بالموارد ، الغارق في الحروب والصراعات ، وهو البلد الذي دعم وايد كل مبادرات السلام ، ازمة اقتصاد السودان هي نتاج تراكمات وتداعيات الحروب والصراعات منذ فترة زمنية طويلة ، ولقد كان التقارير الدولية كثيرا ما تتحدث عن ازمة الاقتصاد السوداني والمشكلات التي يعاني منها ، في يناير عام 2017م صدر تقرير لـصندوق النقد الدولي جاء فيه: “السودان يعد بلدا هشا، منخفض الدخل يواجه قيودا محلية ودولية شديدة واختلالات اقتصادية كبيرة”، وتوقع الخبراء في التقرير تراجع معدلات نمو الاقتصاد السوداني ، وفي ابريل عام 2018م صدر تقرير عن البنك الدولي جاء فيه : ” بأن السودان لايزال يعاني من ضغوط الديون الخارجية التي بلغت 54 مليار دولار منها 85% متأخرات ” ، وجاء في التقرير ايضا : ” تضم قائمة دائني السودان مؤسسات متعددة الاطراف بنسبة 15% ، ونادي باريس 37% ، واطراف اخرى بنسبة 36% ، ثم القطاع الخاص بنسبة 14% ، وفي تقرير مشترك بين البنك الدولي ووزارة المالية السودانية حول استراتيجية خفض الفقر في ورشة عمل جاء فيه : ” ان المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية بلغت 700 مليون دولار، بينما بلغت المستحقات لصندوق النقد الدولي ملياري دولار ” ، إذن تؤكد التقارير الاقتصادية الصادرة عن المؤسسات الدولية بأن الاقتصاد السوداني يعاني من ازمة حقيقية ، الا انه ليس كل تقارير البنك الدولي والمؤسسات الدولية تقدم صورة قاتمة عن وضع الاقتصاد السوداني ، في اكتوبر الجاري عام 2018م جاءت توقعات البنك الدولي متفائلة عن اقتصاد السودان ، جاء في توقعات البنك الدولي : ” من المتوقع أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي في السودان العام القادم 2019م إلى معدل 3.1% ، ثم يرتفع الى 3.5% في عام 2020م ، وهي توقعات تنسجم مع توقعات البنك الدولي بارتفاع النمو الاقتصادي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بنفس المستوى ، وترجع الاسباب في ذلك حسب البنك الدولي الى توقعاته بارتفاع إنتاج قطاع التعدين واستقرار أسعار المعادن ، وما ينتج عنها من تعزيز للنشاط الاقتصادي في البلدان المصدرة للمعادن ، وإلى تحسن الظروف الزراعية واستثمارات البنية التحتية في بلدان أخرى في المنطقة” ، الرهان الحقيقي اليوم لانقاذ اقتصاد السودان من ازمته يكمن في مدى قدرة الحكومة السودانية على انتهاج سياسية اقتصادية حكيمة ، وفي تنفيذ اصلاحات اقتصادية حقيقية ومعالجات تخفف من وطأة الازمة وتداعياتها على مستوى معيشة الشعب السوداني ، كما ان الشعب السوداني تقع عليه مسؤولية كبرى في ان يكون واعي ومتفهم لطبيعة التحديات التي تواجه البلاد داخليا وخارجيا ، السودان مستهدف في امنه واستقراره ومستقبله ومنذ زمن بعيد ، فلم تكن العقوبات الامريكية المفروضة على السودان عبثا ، ولم يكن اشتعال الحروب الاهلية والصراعات في الجنوب وفي اقليم دارفور بمعزل عن تدخلات دول استعمارية كبرى واخرى اقليمية ، كل ذلك كان بهدف استنزاف السودان الغني بالموارد ، ثروات هائلة من النفط والغاز والمياه ، والثروات الزراعية من الاراضي الخصبة والاغنام والمواشي ، ناهيك عن الموقع الاستراتيجي للسودان وامكانية استثماره في التجارة الدولية وتجارة العبور ، كلها موارد وامكانيات يحوزها السودان تقلق الدول الاستعمارية الكبرى ، والشركات المتعددة الجنسية المهيمنة على اقتصاد العالم ، يمكن القول بان السودان يدفع ثمن مواقفه الاسلامية والعروبية ايضا ، وهو البلد العربي الاول الذي وقع ضحية سايكس بيكو الجديدة في القرن الواحد والعشرين عندما تم تقسيمه وفصل الجنوب عنه في يوليو عام 2011م ، ويراد له بان يظل منشغلا بالحروب والصراعات والازمات حتى لا يص
بح قوة في المنطقة ، ان دول الخليج العربي التي لديها استثمارات تتجاوز 23 مليار دولار في السودان ، تقع عليها مسؤولية تاريخية لدعم السودان في مواجهة ازمته الاقتصادية ، لابد ان تقوم دول الخليج العربي وخاصة السعودية بالمبادرة لعقد مؤتمر اقتصادي عربي لدعم السودان ، لطالما وقف السودان داعما لدول الخليج العربي عندما تتعرض للعدوان ، في حرب اليمن المشتعلة منذ مارس عام 2015م قدم السودان دعم كبير لقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية والامارات ، وسقط الضباط والجنود السودانيين شهداء على ارض اليمن ، رغم شدة وطاة هذه الازمة الاقتصادية ، نحن على ثقة بان صانع القرار السياسي في السودان ، وخبراء الاقتصاد السودانيين ، امامهم فرص وبدائل لانتهاج استراتيجيات لحل الازمة، وانقاذ البلاد ، السودان غني بالموارد والثروات التي تؤهله لان يصبح قوة ذات شأن في المنطقة ، ولن يفلح اعداؤه في استنزافه واخراجه من مسرح التاريخ .