فن ومشاهير
الفن رسالة… “شو يعني”؟

جوزيفين حبشي
الفن رسالة. الفن يملك قوة التغيير اكثر بكثير من السياسة. هذا ما نسمعه دائما، ونردده دائماً، ومعظمنا لا يدرك معناه.
الفن رسالة، يعني، اضافة الى كونه مرفّها وممتعا ومسلّيا ، عليه أن يكون هادفا، يتطرّق الى موضوعات إجتماعية وسياسية وبيئية ونفسية هامة او مثيرة للجدل أو من المحرمات ،بغاية تسليط الضوء عليها، على امل ايجاد حلول أو تحريك المجتمع للتفكير بها وتغييرها اذا أمكن.
حتما الفن يملك القدرة على إحداث التغيير، والامثلة الفنية لا تُعَد ولا تُحصى في العالم ، وتثبت انه ليست مجرد ترفيه، بل بامكانه لعب الدور الابرز في تحريك الرأي العام، وأحياناً حتى في تغيير قوانين أو التأثير في السياسات.
عربياً، الامثلة عديدة، ابرزها على سبيل الذكر لا الحصر ، فيلم “أريد حلاً” (1975) من بطولة فاتن حمامة. هذا الفيلم تناول معاناة النساء في قضايا الطلاق والخلع، وطرحه أدى إلى تعديلات في قوانين الأحوال الشخصية في مصر، وساهم في إدخال قانون “الخلع” لاحقا.

Screenshot
بدوره فيلم “678” (انتاج سنة 2010) الذي شارك في بطولته كل من نيللي كريم، بشرى وباسم سمرة، تناول موضوع التحرش الجنسي في مصر، وساهم في تسليط الضوء على هذه الآفة، وأدى إلى ضغط شعبي ساعد في سن قانون مكافحة التحرش سنة 2014.
أما من الاعمال الحديثة، فقد برز مسلسل “تحت الوصاية” من بطولة منى زكي، الذي تناول قضية عدم تمكين الأم من الوصاية المالية والتعليمية على أطفالها بعد وفاة الزوج، حيث تذهب الوصاية إلى الجد أو العم بموجب القوانين الحالية.
وأثار المسلسل اهتماما في البرلمان، حيث قُدمت مطالبات لتعديل قانون الأحوال الشخصية والسماح للأمهات بالأولوية في الوصاية المالية على أولادهن.
كما أرسل مؤتمر الحوار الوطني ، برعاية الرئيس السيسي ، توصيات تشمل تعديل قانون الوصاية على المال، وهو استمرار لفعل الدراما في الحراك التشريعي.
بدورها منى زكي قامت بدعوة صناع القرار والمشرعين إلى إعادة النظر في قانون الوصاية ومنح الأمهات الحق الكامل في أولادهن. وهكذا نجح المسلسل في إثارة نقاش مجتمعي وجذب اهتمام رسمي لتعديل قوانين ذات أثر مباشر على حقوق المرأة والأم في مصر.
اخيرا وليس آخرا من مصر، مسلسل “لام شمسية” (عرض في رمضان 2025) وهو مسلسل درامي نفسي واجتماعي جريئ جدا وعميق جدا، ناقش قضية حساسة: التحرش الجنسي بالأطفال، بشكل خاص عبر شخصية المتحرش المقرب من العائلة.
المسلسل لقي نجاحا كبيرا وأثار صدى واسعا على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام نظراً لجرأته وطريقة عرضه الواقعية. وأشاد المجلس القومي للطفولة والأمومة بالرسالة الإنسانية والتوعوية للمسلسل، مؤكدا أن الدراما قوة لا يستهان بها، لها تأثير واضح في الثقافة المجتمعية. كما نجح العمل في كسر حاجز الصمت حول موضوع التحرش بالأطفال، ودفع لرفع الوعي بطرق التعامل الصحيحة مع الأطفال في هذه المواقف.

Screenshot
عالمياً، استطاع فيلم “Philadelphia” (من انتاج 1993, ومن بطولة توم هانكس) أن يكون أول فيلم هوليوودي كبير يتناول موضوع الإيدز والتمييز ضد المثليين. وساهم الفيلم في زيادة الوعي بمرض الإيدز ودفع النقاش العام في اتجاه أكثر إنصافا وإنسانية.
بدوره استطاع فيلم Erin Brockovich من بطولة جوليا روبرتس سنة 2000 , أن يؤدي إلى تسوية مالية تاريخية، وضغط على الشركات للالتزام بالمسؤولية البيئية. هذا الفيلم مبني على قصة حقيقية عن امرأة كشفت تلوثًا بيئيا تسبب في أمراض خطيرة ومميتة.

Screenshot
ايضا من الافلام المؤثرة ، شريط Dead Poets Society” (من انتاج 1989 ومن بطولة روبن ويليامز) الذي أبرز أهمية التعليم النقدي، وتحرير العقل، وأثّر في طرق التدريس في عدد من المدارس الأمريكية والغربية، وزاد الاهتمام بالتعليم الإبداعي.
من ايطاليا، تناول فيلم“Alone with my dreams سنة 1968، آثار الاكتئاب والعزلة على كبار السن، وأثّر على السياسات الاجتماعية في أوروبا تجاه رعاية المسنين.
أما الختام المسك فمن لبنان،. مسلسلات كثيرة تطرقت الى موضوعات مهمة اجتماعيا وطبيا ونفسيا منذ انطلاقة الدراما التلفزيونية ، وكتّاب كثر ( شكري انيس فاخوري ، منى طايع، كلوديا مرشليان، طارق سويد، وغيرهم كثر) تتاولوا موضوعات قوية من شأنها تغيير نظرة المجتمع ودفعه لاعادة التفكير و للتغيير. وفي الفترة الاخيرة تحديدا، استطاعت مسلسلات شركة ايغل فيلمز مثل ” ع أمل” و” بالدم”، أن تخرق عربيا وان تجمع المفيد والهادف والقادر على التحريك المجتمعي( عربيا وليس لبنانيا فقط) ، بالمسلّي والممتع، من خلال الاضاءة على عدة قضايا مهمة، بقالب فني آسر فنيا وتشويقياً. امرأتان قادتا التوجه الجديد لمسلسلات ايغل فيلمز ” الفن رسالة هادفة وتوعوية في قالب فني ترفيهي”. انهما الممثلة ماغي بو غصن والكاتبة ندين جابر اللتان ركزتا مجهودهما في “ع أمل” على طرح قضايا واقعية ( تعنيف المرأة وجرائم قتل النساء فيظل غياب تشريعات رادعة). وهذا ما دفع ناشطين حقوقيين ومسؤولين سياسيين إلىاتخاذ خطوة لمناهضة العنف ضد النساء. جمعية “كفى” ، وبالتعاون مع ماغي بو غصن والنائب بولا يعقوبيان، رفعت اقتراح قانون يهدف الى مناهضة العنف ضد المرأة .

Screenshot
الفن الرسالة لم يتوقف عند “ع أمل”، بل اكمل رسالته التوعوية حول التبني غير الشرعي وبيع الاطفال وتأجير الارحام واهمية وهب الاعضاء من خلال ” بالدم” . وتقديرا لدورها الفاعل في الاضاءة على قضايا المرأة ومعاناتها، منحت مؤسسة الأميرة تغريد للتنمية والتدريب الممثلة ماغي بو غصن لقب “سفيرة مؤسسة الأميرة تغريد للمرأة”، وذلك خلال مؤتمر صحافي عُقد في عمّان . وقالتالمديرة العامة للمؤسسة الدكتورة أغادير جويحان أن هذا التكريم يأتي انسجاماً معرسالة المؤسسة في مواجهة العنف والتمييز ضد المرأة، والدفع باتجاه تعزيز حقوقها الإنسانية والاجتماعية.
الفن رسالة؟ حتماً. وكلما كان صادقا في نقل الواقع ومعاناة الناس، كلما وصل اكثر الى الناس ، واستطاع أن يغيّر واقع الناس.