Uncategorized
الفيلم االلبناني “قضية رقم 23” حظوظه كبيرة ليقطف الاوسكار
“لا يحق لأحد احتكار المعاناة” . إنها اجمل واقوى واصدق رسالة نستخلصها من الفيلم الروائي الرابع للمخرج اللبناني زياد دويري “قضية رقم 23” الذي باتت حظوظه كبيرة وكثيرة للفوز بجائزة اوسكار أفضل فيلم اجنبي في الحفل السينمائي الاشهر عالميا في شباط 2018. حظوظه كبيرة لاسباب كثيرة ، اولها “لا يحق لأحد قمع السينما والفن وحرية التعبير” كما حصل مع مخرجه زياد دويري الذي تعرّض للمحاربة اثناء عودته الى لبنان في شهر ايلول 2017 حاملا معه جائزة عالمية من مهرجان البندقية السينمائي(افضل ممثل للفلسطيني كامل الباشا) . محاربة نبشت له قضية قديمة (تصوير جزء من فيلمه “الصدمة” في تل ابيب، وعوقب يومها دويري بمنع فيلمه في لبنان) بينما الهدف الاساسي منع شريطه الجديد “قضية رقم 23” من العرض لأنه يحمل رسالة تسامح وقلب صفحة الماضي والحرب بين اللبناني-المسيحي والفلسطيني. والأهم أنه يقدم ولأول مرة في تاريخ السينما اللبنانية وجهة النظر المهمشة لاحد ابرز الاحزاب اللبنانية المسيحية (القوات اللبنانية (، وذلك بشكل صريح وواضح من خلال تسمية الاشياء باسمها من دون لف ودوران، رغم ان الانتهاء للقول بأن معاناة اللبناني تشبه معاناة الفلسطيني ليس مقنعا تماما، خصوصا للجهة اللبنانية التي عانت الامرين ممن حلوا رغما عنها ضيوفا على ارضها . حظوظ الفيلم للاوسكار كبيرة، لأن الفيلم بحد ذاته تحفة فنية على الصعيد الاخراج والسيناريو والتقنات والاداء التمثيلي. قصة الفيلم مقتبسة من واقعة حقيقية جرت مع المخرج زياد دويري وزوجته السابقة وشريكته في كتابة السيناريو جويل توما . يومها كان زياد يسقي الازهار على شرفة بيته في شارع مونو في الاشرفية بيروت، عندما بلل عن غير قصد عامل فلسطيني، بادره بشتيمة من وزن”يا كلب” . طبعا زياد رد له الصاع الف صاع مع شتيمة استهدفت كيانه من وزن يا ريت شارون محيكن عن بكرة ابيكن”، قبل أن يعتذر منه بالحاح من جويل توما. هذه الحادثة تحوّلت شريطا ينطلق من حادثة حقيقية ، ليتطور السيناريو فيمزج الواقع المعيوش والحقيقي مع الحبكة المتخيّلة تماما. في الفيلم طوني(عادل كرم) المسيحي المحبّذ لحزب القوات اللبنانية والرافض للوجود الفلسطينين في لبنان (لاسباب لن تظهر الا في آخر الشريط)، لن يتردد في الاشتباك مع العامل الفلسطيني ياسر(كامل الباشا) المكلف تصليح قسطل ماء على شرفة بيت طوني. اشتباك سينتهي بتوجيه ياسر شتيمة لطوني، ستتبعها شتيمة من طوني الى ياسر ، ثم لكمة ستحملهما الى المحكمة حيث سيرفع طوني دعوى قضائية ستمهد لقيام ثورة شعبية واندلاع حرب جديدة في بيروت التي لا تزال تغلي بالانقسامات والتحزبات والعنصرية. اهمية هذا السيناريو أنه يقدم سوابق في السينما اللبنانية. اول سابقة الموضوع الجريء والمثير للجدل الذي عالج جرحا نفسيا ومعنويا لم يندمل مطلقا في ذاكرة المسيحيين خصوصا لأنه ظل طي الكتمان والانكار، ينزف جمرا تحت الرماد. وثاني سابقة جريان قسم كبير من الاحداث داخل قاعة المحكمة على غرار الافلام العالمية، مع مرافعات قانونية ذكية وشيّقة تشبه لعبة القط والفأر بين محامي الادعاء (الرائع كميل سلامة) ومحامية الدفاع (ديامان بو عبود). اهمية هذا الفيلم في ادواته ولغته السينمائية ، من تصوير سلس واطارات تقترب لترينا حجم الوجع والغضب المتفاعلين في داخل الشخصيات، ثم تبتعد لتلخص لنا حجم الثورة الاجتماعية التي توشك على الاندلاع. أهمية الفيلم في مجموعة ممثليه الرائعين من دون اي استثناء وخصوصا المثلث عادل كرم-كميل سلامه-كامل الباشا، بدليل أن لجنة تحكيم مهرجان البندقية التي كانت ترأسها الممثلة الاميركية انيت بينينغ هذه السنة، قررت بالاجماع منح جائزة افضل ممثل للممثلين الثلاثة معا، ولكن رئيس المهرجان اعترض لأن هذا الامر لم يحدث سابقا في مهرجان البندقية. عادل كرم مؤثر جدا بتلوناته المتنقلة بسلاسة بين الجفاصة، الحنان، القسوة ، الطيبة ، القوة ، الوجع والهشاشة . كميل سلامة وحش بكل ما للكلمة من معنى، يأسر المشاهد بنظراته الثعلبية وصوته الذي يتلاعب بنا وحضوره المغناطيسي بشخصية المحامي وجدي وهبة. اما كامل باشا الفائز بجائزة افضل ممثل في مهرجان البندقية ، فهو الاكثر صمتا وابتلاعا للغضب والشعور بقلة الانصاف. بدورهن بطلات الفيلم شكّلن عامل تهدئة لجنون الرجال، وابدعن كل من جهتها. ريتا حايك الزوجة التي لم تختبر معاناة زوجها والنابضة بالانفعالات، وديامان بو عبود المحامية المتمكنة وكريستين شويري الزوجة المؤثرة والداعمة وجوليا قصار القاضية الحازمة والطريفة. أما المأخذ الوحيد على الممثلين فيفوز به الممثل القدير رفعت طربيه الذي جسد شخصية قائد القوات اللبنانية سمير جعجع. رفعت رفض أن “يقلّد” الحكيم وزياد دويري وافقه، وهما من وجهة نظرنا مخطئين تماما، لأن الشخصية المقدمة حقيقية وليست متخيّلة، واكبر نجوم هوليوود برزوا وتألقوا واخذوا جوائز اوسكار عندما استطاعوا أن يجسدوا ويتقمصوا الشخصيات الحقيقية بمنتهى الدقة وبكافة تفاصيل الشكل والصوت والمشية والحركة . ونذكر منهم القديرة ميريل ستريب التي جعلتنا نشعر أن رئيسة الوزراء البريطانية مارغرت تاتشر هي بنفسها من مثلت فيلم The Iron Lady.
جوزفين حبشي