Connect with us

ثقافة

جرّة غاز إكسترا… إكسترا تصفيق لمعاناة مشتركة

Published

on

جوزيفين حبشي

لم تفاجئنا سينتيا كرم، نحن نعرف أنها قادرة على إضحاكنا وإبكائنا وإبقائنا مذهولين، مبهورين، مدهوشين بقدراتها الإستثنائية على ارتداء مجموعة مشاعر مختلفة ومتضاربة ومتناقضة مع بعضها البعض، وإقناعنا بها كلها.

لم تفاجئنا سينتيا كرم، ولكن من فاجأنا فعلا  هو الثنائي المسرحي سارة عبدو وكريم شبلي، اللذين عودانا في كل مسرحية سبق أن قدماها ، من ” غمّض عين، فتّح عين” الى ” معمول”، أن ننطلق معهما في رحلة طريفة  وذكية  في غوصها في أعماق البيئة والمجتمع اللبنانيين المليئين بالمؤثر  والساخر واللاذع والمضحك المبكي على حدّ سواء.

وصلنا الى مسرح مونو ليل الثلاثاء ١٠ حزيران ، برغبة صادقة في الضحك على واقعنا والسخرية من تناقضاتنا. وصلنا لنشاهد مسرحية ” جرّة غاز سبسيال” ( كتابة واخراج سارة عبدو وكريم شبلي وبطولة سينتيا كرم وجوزف زيتوني)، وفاتنا أن  المسرحية تفتتح  الدورة ١٧ من مهرجان ربيع بيروت الذي تنظمه  مؤسسة سمير قصيربدعم من الإتحاد الأوروبي. فاتنا أن ربيع بيروت يدعم كل عمل فني وثقافي خلاق في التعبير عن رسالة سمير قصير الذي عشق بيروت ، وحَلُمَ بربيع لها ولدمشق وكافة عواصم المنطقة، وتمنى لها انطلاقة جديدة  ومتنفساً لاوكسيجين الحرية بعدما اختنقت طويلا من ثاني كربون الظلم والقمع والقتل والاستبداد.

دخلنا لنضحك  ونستمتع كثيراً ، خرجنا ونحن نتألم  ونتوجّع كثيراً كثيراً، بعدما خلعنا عنا تباعاً ، مع تتابع محطات المسرحية  وفصول حياتنا، كُرهنا الشديد وغضبنا الاشد  لدولة شقيقة، عانت مثلنا واكثر من نظام سفاح ومجرم، خطف وأسر وعذّب وجلد واحرق وفجّر ودفن احياءً، اولادنا معاً واشقاءنا معاً  وازواجنا معاً وحياتنا معاً.صحيح أن هذا الموضوع  ارهقنا واتعبنا وخنقنا طويلاً ، ولكن هذا لا يمنع أنه عولج بشكل  مؤثر وحقيقي،  يستحق التصفيق .

Advertisement
Ad placeholder

طيلة ساعة من الزمن ، ستتشابك المحطات السياسية والوجع الانساني بين لبنان وسوريا، سيمتزج الماضي بالحاضر، الحرب اللبنانية  والقصف  والملاجئ  ومكتب التحرير في خبر جديد  وهيمنة النظام السوري، بانطلاق الثورة والحرب في سوريا وبعدها في لبنان وجائحة كورونا وتفجير مرفأ بيروت والخطف والاعتقال والتعذيب والوجع والدموع والدموع والدموع . طيلة ساعة من الزمن، سنستعيد عمراً من المأساة المشتركة، القصص والمشاعر المشتركة، الكره المشترك ، الغضب المشترك، الضحك والوجع المشترك، لنكتشف في النهاية ما سبق ان اكتشفه زياد دويري في فيلمه الاوسكاري “قضية رقم ٢٣” الذي دعت رسالته للمصالحة والتسامح والانفتاح نحو الإخر، خصوصا عندما قال على لسان بطل شريطه: “لا احد يحق له أن يحتكر المعاناة”.

نعم، كلنا عانينا من وحشية النظام الاسدي ، لبنانيين وسوريين مناهضين لهذا النظام تحديدا. وجع الام اللبنانية والام السورية واحد في عبثية  البحث عن عودة إبنٍ اختفى خلف قضبان الأسر والتعذيب، واختفت معالمه عن الحياة. لسان حال سينتيا كرم وتنقلها بين اللهجتين اللبنانية والسورية لتجسّد في اللحظة عينها مأساة امرأتين متشابهتين بانسلاخ روحهما عن جسدهما مع انسلاخ ابن كل منهما من حضن قلبها، هو واحد من اقسى واقوى  واوجع  واروع مشاهد المسرحية. كلمة “رائعة سينتيا” لا تفي بما عشناه وخبرناه وشعرنا به ونحن نراها تتلوّن أمامنا من شخصية الى ثانية وثالثة ، تكبُر وتصغُر  بالعمر أمامنا، تشتعل وتنطفئ  أمامنا، تثور وتغضب، تبكي وتضحك، تحب وتكره  وتحنّ، تنهار وتشرئب،  تزحف وتنتفض، تحقد، تلعن، تكتشف وتسامح أمامنا. رائعة سينتيا ورائع مثلها جوزف زيتوني الذي ارتدى مثلها لهجتين ووجعين واذلالين وغربتين ومشاعر متناقضة، وتناغم معها في اداء جسدي ونفسي صعب جداً جداً، ورسالة قوية جداً جداً ، ومسرحية قاسية ومؤلمة جداً جداً .

“جرّة غاز اكسترا”، اكسترا  تصفيق لمسرحية  صعبة  في تشابكها ، ولكنها نجحت في الإمساك بنا من أولها الى آخرها ، رغم كونها مجموعة قطع بازل مفككة ستلتحم تباعا لتشكّل أجمل وأقسى لوحة عن الغربة الداخلية والخارجية  والمعاناة المشتركة . مسرحية  لافتة بديكورها البسيط وادوات هذا الديكور الغنية والذكية في رمزياتها . مسرحية مختلفة كثيراً عن الاعمال السابقة  للثنائي الموهوب جداً ساره عبدو  وكريم شبلي، لكونها تدور في فلك واقع  انساني مرتبط بواقع سياسي مؤلم  بين  دولتين، مع الاشارة الى أنها تحافظ  قدر الامكان على روحية  الثنائي في  المعالجة بشكل عميق لا يخلو من الضحكة والبسمة  والسخرية رغم الوجع والدموع. مشهد الولادة في الملجأ بين سينتيا المدهشة وجوزف الرائع،  بركان ضحك متواصل، غطّى على صوت القصف المتواصل.

“جرّة غاز اكسترا”، اكسترا اكسترا اكسترا تصفيق للاستثنائية سينتيا كرم ، لحضورها الآسر، لجهوزيتها الجسدية لطواعيتها النفسية ، لانسانيتها الراقية التي مهما حاولت ان تجسّدها تمثيلاً، لا يمكن أن تتقن، ما لم تكن تنبعث منها، من كل ذرة في كيانها وروحها.

“جرّة غاز سبيسال”، مسرحية جداً سبسيال، لجمهور  لبناني واجنبي ( ترجمة باللغة الانكليزية يمكن قراءتها طيلة مدة العرض)،  على مسرح مونو حتى ٢٩ حزيران.

Advertisement
Ad placeholder
Continue Reading
Advertisement Ad placeholder
Advertisement Ad placeholder

التقويم

يونيو 2025
ن ث أرب خ ج س د
 1
2345678
9101112131415
16171819202122
23242526272829
30  

الارشيف

© كافة الحقوق محقوظة 2023 | أخبار الشرق الأوسط - News Me | تصميم و تطوير TRIPLEA