ثقافة
رسالة من لبنان للملكة رانيا العبدالله

جوزيفين حبشي
جلالة الملكة رانيا العبدالله،
بعد التحية، اسمحي لي أن أقدّم نفسي لا باسمي الشخصي، بل بأرواح نساءٍ مررن من هنا وما زلن هنا:
أنا الأميرة نسب، والدة فخر الدين الكبير، أنا الست شمس، زوجة الأمير بشير الشهابي، أنا إليسار، الملكة الفينيقية التي أبحرت من صور لتبني قرطاج، أنا فيروز، صوت لبنان الأزلي، وصباح الميجانا والعتابا، والماجدة التي كلما صرخت قومي يا بيروت، قامت من رمادها. أنا القصيدة التي تخيّلها إيليا أبو ماضي، انا النبيّة والارزة اللتان حلم بهما جبران خليل جبران، أنا أول ملكة جمال للكون كله من هذه الأرض. أنا لبنان.
لبنان الذي استقبل مثقفي الشرق والغرب، وفتح جامعاته، خصوصا للأردنيين، بكل حبّ. لبنان الذي، رغم كل أوجاعه، لم يتخلّ عن دوره كمقصدٍ للحياة، والعلم، والجمال والسياحة. لبنان الذي قاوم بالكتب والموسيقى والثقافة والفن والمسرح ،اطنانا من الحقد والموت .
لبنان الذي لم ينكسر يوما، ولم يعرف الاستسلام. لبنان الجبل الذي لا تهزه ريح ولا تؤثر به قذيفة عدو، ولكنه يتألم وبعمق من صفعة ناعمة من يد قريب، من سؤال يزرع الشك في صورته أمام العالم، وكأنه لم يعد ذلك الوطن الحي ، الذي ينبض بالجمال والأمان والصمود. وكأنه لم يعد درة الشرق، تلك الرقعة الصغيرة على خارطة العالم، التي تحمل من التاريخ ما تعجز الجغرافيا عن احتوائه. درّة الشرق، لا لأننا نقول ذلك مجازا، بل لأن الشرق نفسه ، في لحظات ضعفه ونهضته ، كان يعود إلينا ليستعيد بنا نبضه،ويتنشق من عندنا اوكسيجانه.
درّة الشرق، لأن بيبلوس كتبت أول الأبجديات، وصدّرت الحرف إلى الدنيا. درّة الشرق، لأن فيروز غنّت له، فغنّت له الشعوب. ولأن أرزةً على جبله أصبحت رايةً لكل من قاوم وناضل وأحب. درّة الشرق، لأنه وطن يحتضن الكنيسة والجامع، الأيقونة والمئذنة، المعرض والمسرح ، المقهى والملهى ، الصمت والتصفيق.
لكل هذه الاسباب، ، صدمني سؤالكِ للحبر الاعظم يا جلالة الملكة. صدمني لكونك الجارة العربية الحنونة والادرى بواقعنا، والدرع لصورة لبنان. توقعت أن تأتي كلماتكِ فسحة أمان ، لا مساحة شك.
سؤالك عن “سلامة البابا في لبنان” صدمني، وكأننا بلد ضائع بين مجاهل افريقيا وادغال الامازون ، وليس وطناً مزنرا بالكنائس، مضاءً بالمآذن، تباركه الأيقونات وتُعمّده التراتيل . صدمني سؤالك، لأنني تخيلتك اكثر حرصا على سلامة لبنان وأمنه الذي يصان بالثقة به اولا، لا من خلال توجه سؤال يقصد من ورائه ، عن غير قصد، أن لبنان غير آمن.
في زمنٍ لا يخلو فيه العالم من الحروب والأزمات، حيث تعيش معظم المناطق حولنا في فوضى واضطراب، تمنيّت، من معرفتي الاكيدة من حب الاردن للبنان، ان تكون أولويات المملكة تعزيز صورة لبنان كرمز للحياة والامان والثقافة، لا أن تضع عليه علامة استفهام تشبه صفعة على الوجه. لبنان، يا جلالة الملكة، الذي عاش في قلب الحروب وأتون الأزمات، ظل مقصد كل عاشق للحياة. فكيف يُشكك به اليوم، وقد بدأ ينفض عنه رماد الحرب، ويتهيأ لسلام طال انتظاره، ويخطو ببطء ولكن بثبات نحو دولة القانون، وتحت راية واحدة، وسلاح شرعي واحد؟
في وقتٍ يشتعل فيه العالم حروبا، ويترنح أمنُه في القارات الخمس، يُطرح السؤال وكأن لبنان وحده من يُخشى فيه على زائر؟ وكأننا لسنا الوطن الذي احتضن الزوّار اهلاً، في أسوأ الحروب، وكان مقصد الفرح والأمل وسط الركام؟
إن سؤالك، وإن كان حرصاً، جرحَنا. جرحَ بلدا لم تؤلمه القذائف كما تؤلمه صفعة ، حتى ولو كانت ناعمة وعن غير قصد، من قريب.
يا جلالة الملكة الاردنية ،اسمحي لنا أن نقتبس من ملكتنا اللبنانية التي غنّت لبترا اجمل الاغنيات، جواباً على سؤالك: “سألوني شو صاير ببلد العيد، مزروعة عالداير نار و بواريد، قلتلن بلدنا عم يخلق جديد، لبنان الكرامي و الشعب العنيد… وبتسأل شو بني، وشو اللي ما بني، بحبك يا لبنان يا وطني”.