فن ومشاهير
كوكب اليابان حاضر يجمع بين المستقبل والماضي
وطنية – عندما تزور طوكيو لأول مرة ستخطف نظرك ناطحات السحاب المدهشة، يتوه عقلك في لوحات الكاريكاتير الياباني “الأنمي” وتذهب بعيدا في رحلة من الذهول مع كل ما يحيط بك من تفاصيل بدءا من الإعلانات الرقمية العملاقة والالكترونيات الحديثة، مرورا بالمراحيض ذات التقنية العالية، وإنتهاء بالبشر المحيطين بك، فينتقل بك عقلك إلى المستقبل ويبدأ في التساؤل عما إذا كان عدد الروبوتات قد تجاوز عدد البشر في هذا الجزء من العالم. إنه حلم الحياة في المستقبل.
فجأة يستفيق عقلك عندما تصطدم عيناك بتمثال الساموراي كوسونوكي الشامخ الذي يعود بك ثمانية قرون الى الخلف. في ثوان قليلة تهبط من المستقبل وتبدأ التجول في الماضي بالعاصمة اليابانية النابضة بالحياة.
تمثال كوسونوكي الشامخ يأخذك إلى حرب “جينكو” في القرن الرابع عشر، فصل من فصول شجاعة ووفاء الساموراي الياباني. كوسونوكي الذي وهب حياته لخدمة إمبراطور اليابان غودييغو إنصاع لمخططات الإمبراطور الحربية الخاسرة وخرج على رأس جيش صغير ليدافع عن إمبراطوره في مواجهة جيش كاماكورا شوغون الجبار. رسم الساموراي الياباني قصة من قصص البطولة والشجاعة في المعركة التي لقي حتفه فيها.
في الحقيقة، نادرا ما يصادف الإنسان تماثيل في اليابان، وهذا يعود إلى تواضع اليابانيين، فهم يتجنبون المفاخرة بإنجازاتهم بغض النظر عن مدى عظمتها. ولكن تمثال كوسونوكي الواقع في الحديقة الشرقية خارج القصر الإمبراطوري في طوكيو ليس محاولة للتباهي بفضائل الساموراي العسكرية الأسطورية، بل تكريما لولائه وشجاعته وتفانيه للإمبراطور ما جعل منه بطلا وطنيا شبيها بالإله الراعي لكاميكازي الحرب العالمية الثانية، الذين رأوا أنفسهم ورثته الروحيين في التضحية بحياتهم من أجل الإمبراطور.
وبعد أن تغادر القرن الرابع عشر في اتجاه القصر الإمبراطوري في طوكيو، المقر الرئيسي لإمبراطور اليابان، تبدأ رحلة التطهير الروحي، وفقا لطقوس الديانة الشنتوية، بالمشي على الحصى التي تتدافع وهي تعانق حذاءك وتصدر صوتا يداعب نفسك. بممارسة هذا الطقس، ترتفع على الفور إلى مستوى أعلى من الإنسانية ومستوى أعمق من التواصل مع القيم العالية. والشنتوية هي الديانة الأساسية في اليابان وهي مزيج من الأديان مثل البوذية التي انصهرت معها.
ويلي مرحلة التطهر الروحي، زيارة القصر الإمبراطوري، حيث تستطيع أن تتمعن بروعته فهو يقع في منطقة كبيرة في تشيودا ويضم مباني كثيرة أهمها القصر الرئيسي وعددا من المساكن الخاصة بالعائلة الإمبراطورية بالإضافة إلى أرشيف ومتاحف ومكاتب إدارية. القصر يفتح ابوابه للعامة فقط في 2 كانون الثاني بمناسة رأس السنة الجديدة و23 كانون الاول بمناسبة عيد ميلاد الإمبراطور. يمكن للزوار الدخول إلى أراضي القصر ومشاهدة أفراد العائلة الإمبراطورية التي تقوم بإلقاء التحية على الحشود من شرفة القصر الذي تم بناؤه في موقع قلعة إيدو القديمة، التي كانت مقرا لشوغون توكوغاوا الذي حكم اليابان من عام 1603 حتى عام 1867. في عام 1868، تمت الإطاحة بالشوغون، ونقلت عاصمة البلاد والقصر الإمبراطوري من كيوتو إلى طوكيو.
قطار الرصاصة
أسرع طرق السفر البري إلى كيوتو، أول عاصمة إمبراطورية، هي شبكة السكك الحديدية الفائقة السرعة وبالتحديد “قطار الرصاصة”. بمجرد أن تصل محطة قطار طوكيو تأخذك العبقرية اليابانية التي برعت في تصميم هذا الاختراع الأيقوني. فهذه القطارات، التي تشبه السفن الفضائية، توفر لك رحلة عاصفة بين ماضي اليابان ومستقبله براحة ورفاهية تامة. “قطار الرصاصة” يتنقل بسرعة قصوى تبلغ 285 كيلومترا في الساعة وتم إنشاؤه في البداية لربط المناطق اليابانية البعيدة بطوكيو، لكنه أصبح الآن نقطة أساسية لجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
تركب القطار من محطة طوكيو التي تبعد عن توقيت العالم مئات السنين، وخلال ما يقارب الساعة ونصف الساعة، يتوقف “قطار الرصاصة” في عام 1603 بجوار قصر نيجو المبهر، والذي يمثل بداية عصر ذهبي عمره 400 عام من تاريخ اليابان. تم بناء هذا القصر، الذي تم إدراجه كموقع تراث عالمي لليونسكو في عام 1994، من قبل أول زعماء الساموراي – الشوغون، الذين تمكنوا من وضع حد لفترة طويلة من الحرب الأهلية في عام 1603.
داخل القصر، تم تصميم الأرض المسماة بـ”ارض العندليب” بطريقة تحذر سكان القصر من وجود متسلل بمجرد ان يطأها. في عام 1867، أعاد الشوغون الخامس عشر الحكم إلى الإمبراطور، وبدأت فترة “الميجي” والتي تطورت خلالها اليابان بسرعة كبيرة من مجتمع إقطاعي إلى الامة الديمقراطية الحديثة التي نعرفها اليوم.
وقد كانت احد اكثر ممارسات الحياة اليومية المثيرة للاهتمام لمحاربي الشوغون هي طقوس الشاي، والتي أصبحت تعرف في ما بعد باسم “حفل الشاي”.
بالقرب من القصر، ووسط الزحام والضجيج في شوارع كويوتو الحضرية، تتاح لك فرصة المشاركة في “حفل الشاي الياباني” في أحد بيوت الشاي التقليدية المنتشرة في المدينة التاريخية. تجربة تعود بك إلى التقاليد اليابانية الراسخة “زن” والتي تعكس إيمان ممارسيها بمقولة “مرة واحدة، اجتماع واحد” والتي تشير إلى ان الحفل تجربة فريدة لن تتكرر مرة أخرى في حياتهم. تم نقل هذا التقليد إلى شعب اليابان من قبل الساموراي والرهبان البوذيين الذين لجأوا إلى هذه الطقوس سعيا إلى الوضوح والانضباط والصبر.
ولكن حتى تتذوق تجربة “زن” الكاملة، عليك أن تعود بالزمان اكثر الى أن تصل إلى العاصمة اليابانية القديمة نارا حيث يرحب بك أكثر من 1000 غزال من غزلان السيكا البرية التي تتجول بحرية في شوارع هذه المدينة الروحية. تتجول هذه الغزلان بهدوء في جميع أنحاء المدينة ويعتقد تاريخيا أنها كائنات روحية تتواصل مع الآلهة. تعيش في ضواحي نارا وحولها وتحمى من قبل الدولة لأنها تعتبر رسل الآلهة الشنتوية.
بعد الجولة الروحية مع غزلان السيكا، يرحب بك مجمع todai-ji البوذي، أحد المعابد السبعة الكبرى في اليابان، بأكبر تمثال برونزي لبوذا في العالم. يعد المعبد أيضا مقرا يابانيا لمدرسة “كيغون” للبوذية، وهو مدرج في موقع اليونسكو للتراث العالمي باعتباره أحد “المعالم التاريخية لنارا القديمة”، إلى جانب سبعة مواقع أخرى.
وبعد ممارسة بعض طقوس الماضي، حان وقت ركوب “قطار الرصاصة” للعودة إلى طوكيو، مدينة المستقبل الذي يبعد عن توقيت العالم ربما بضعة عقود من الآن، في متحف طوكيو للعلوم والابتكارات الناشئة؛ إنه الوقت الذي ينجح فيه العلم بالقضاء على جميع المخاطر الطبيعية والبشرية المحتملة التي تهدد بقاء مجتمعاتنا. إنه الوقت الذي لن يعود فيه البشر بحاجة للقلق والقتال حول موارد الأرض بفضل اعتماد تقنية جديدة تسمى ب “الانصهار” وتطبيق ناجح لخلق “شمس اصطناعية” على الأرض. إنه أيضا الوقت الذي يتمكن فيه البشر من زراعة البلاستيك غير المؤذي للبيئة في الحقول وتصبح الروبوتات من أفراد الأسرة الموثوق بهم.