Uncategorized
لو كان الوباء ينطق…
بقلم: جوسلين إيليا
لا يرن في أذني إلا
ذلك الصوت الغريب، ولا أسمع إلا باسم الفيروس المستجد «كورونا»، ولا أتفق مع من
أطلق على الفيروس اسم «المستجد»، لأن هذا الوباء كان يعشش بين البشر منذ زمن طويل،
لا سيما بعد تحول عالمنا إلى مشهد افتراضي فرضته علينا التكنولوجيا ووسائل التواصل
الاجتماعي، ولم يكن ينقص هذا الوباء إلا الصوت الصارخ ليقض مضاجعنا ويخضنا ويجعلنا
نراوح أماكننا منذهلين، ضائعين، خائفين، مترقبين. والأسوأ، جاهلين للمستقبل.
لو يستطيع الكورونا
التكلم لقال: «لطالما أردتم العيش حياة افتراضية ومعزولة، فها أنا أحقق حلمكم
وأجعلكم وحيدين معزولين وانطوائيين».
الناس تشكو من
الجلوس في المنزل، تبكي من العزلة، وأنا من هؤلاء الناس، ولا يحق لنا التأفف
والاعتراض، فنحن كنا نعيش في عزلة على رغم أنف الطبيعة والطبيعة البشرية، فنحن
بالأساس حيوان اجتماعي، ولكن منذ الألفية الثانية تخلينا عن صفة «اجتماعي»
واكتفينا بتصنيف الكائن الحيواني فقط، والدليل هو تعاطي بعض الناس في ظل أزمة
الوباء الراهنة بكل أنانية وغريزة حيوانية، وهذا الشيء واضح في المتاجر الكبرى
والصيدليات.
لا بد أن الوضع الذي
يعيشه العالم حالياً غير مسبوق، ولكن الأزمة الحقيقية تكمن في تصرف بعض الناس
واعتراضهم الدائم على كل شيء. هذه الأزمة أثبتت أنها صعبة، ولكنها ستزول قريباً
بإذن الله، هذه ليست المرة الأولى التي يضرب فيها وباء شعوباً بأسرها، ولكنها
المرة الأولى التي يقوم فيها الوباء بتلقين الشعوب درساً قوياً، وكأنه فعلاً ينتقم
من تمادي البعض في التصرف الخاطئ والتطاول على أمنا الطبيعة التي نراها هادئة،
ولكن يا إلهي ماذا قد يحصل إذا غضبت.
كان من الأحرى تسمية
الفيروس كورونا المستبد، لأنه هو فعلا هكذا، استطاع التسلل إلى حياتنا قالبا
موازينها، أغلق دور السينما وجعلنا أبطال فيلم ولا في الخيال.
المستبد هذا هو درس،
وتذكير بأن الإنسان ومهما علا شأنه فهو نقطة ضئيلة في فضاء الكون الواسع، وكل شيء
يحصل تكمن وراءه حكمة، وكل شيء يحل بنا من تخطيط خالق الكون ومهندسه.
في الفترة الأخيرة
ابتعدنا عن بيوتنا، فضلنا العمل والانشغالات التي يمكن العيش من دونها على تمضية
الأوقات مع أحبابنا ومحبينا، في الفترة الأخيرة أصبحت وتيرة العيش سريعة جدا، كثرت
الأمراض التي أرهقت أجسادنا التي تقضي أوقاتا طويلة باحثة عن الروح التي ولدت
بداخلها.
البقاء في البيت قد
يكون صعبا، ومملا بالنسبة للأشخاص العاملين الذين اعتادوا على التنقل والسفر
والخروج وتلبية الدعوات، ولكني إذا ما نظرت إلى هذا الوباء لوجدت فيه نوعا من
المنطق والتحذير، وصفعة على الوجه للاستيقاظ من عالمنا الافتراضي والعودة إلى
جذورنا الحقيقية التي تتغذى على الاختلاط وتبادل أطراف الحديث، كما أن هذا المستبد
لقن هؤلاء الذين جعلوا الشكل قبل العقل درسا قويا، ففي خضم الأزمة المتفشية عالميا
لم يعد يأبه أحد للشكل، وأصبح النضال للعيش هو الأهم.
في الحقيقة من
الممكن النظر إلى الأزمة بطريقة إيجابية، اعتبروها فترة عمل في أجواء من الراحة
العقلية والنفسية، وأمضوا أوقاتكم اليومية في عمل شيء مفيد لكم ولغيركم.
نسبة كبيرة من
الموظفين يعملون حاليا من بيوتهم، وهذا ما يثبت أن الوباء هو درس وتذكير بأن
العمل، ومهما كان، هناك من يستطيع القيام به، فلا يوجد إنسان لا يمكن استبداله،
ولا يمكن أن تقف الحياة عند وباء أو مرض أو أي مصيبة أخرى.
استغلوا الفرصة
للتأمل وتقديم المعونة لمن هم بحاجة إليها، المسنون في «بيوت الآخرة» لا يجدون من
يتكلمون إليه. بادروا، وتأملوا وحللوا الحياة من منظار آخر. الكورونا فرصتكم.