فن ومشاهير
ميرنا نكرهك. ستيفاني نحبك.

جوزيفين حبشي
في البدء، محال الا نقول: “ميرنا” ، نكرهك ، نكرهك، نكرهك كرها عظيما. ستيفاني عطالله، نحبك ونقدّر موهبتك تقديراً شديداً”.
في مسلسل “سلمى” المعرّب عن التركي، تقدم الممثلة الشابة ستيفاني عطالله واحدة من أكثر الشخصيات إرباكا ورفضا في الدراما الحديثة: “ميرنا”، المرأة المضطربة نفسيا التي لا يسعنا إلا أن نرفضها، رغم وعيّنا بأنها مريضة. هنا، لا نُمنح نحن المُشاهدون خيار التعاطف. “ميرنا” ليست ضحية، بل خصم يتغذى على الأذى، ويتنفس الحقد، ويتقن لعبة التلاعب العاطفي والتدمير من أجل هدف واحد: أن تكون هي وحدها “المركز”. وهذا ما يجعل العلاقة بين المشاهد وبينها علاقة متوترة ومربكة.

Screenshot
“ميرنا” شخصية أنانية حتى العظم، لا ترى العالم إلا من خلال مرآتها، ولا تسعى إلا لنيل كل ما لا تملكه ، خصوصا ما تملكه أختها غير الشقيقة، سلمى. من جلال زوج سلمى إلى عاطفة الأم هويدا، تحوّل ميرنا حياتها إلى سباق محموم لانتزاع كل ما يمكن أن يجعلها محبوبة أكثر ومرئية أكثر. لا تبحث عن الحب بقدر ما تطالب به كحق مكتسب، حتى لو كلّف ذلك خراب من حولها.
نعم، ميرنا مريضة. ولكن هل يُطلب منّا أن نتعاطف معها؟ المسلسل لا يمنحنا هذه المساحة. فالأذى الذي تسببه ميرنا لمن حولها ليس عرضا جانبيا لمرضها، بل يبدو وكأنه جوهرها الفعلي. لا ذرة إنسانية تُشفق، ولا لحظة ضعف تُغري بالتفهّم. هي شخصية تعيش على الحافة، متقلبة، شرسة، تخطط وتنفّذ أفعالا تؤذي وتدمّر بمنتهى البرود.

Screenshot
وهنا تتألق ستيفاني عطالله في أداء معقّد، لا يطلب تعاطف المشاهد بقدر ما يفرض عليه أن يرى ، بوضوح مؤلم، كيف يمكن للمرض النفسي حين يتداخل مع شخصية نرجسية أن يتحوّل إلى خطر حقيقي. ستيفاني عطالله تُجسد ميرنا لا كضحية، بل كخصم نفسي، متقلّب، سام، ومؤذ دون ندم. أداءها مشحون بطاقة داخلية مشوشة، تجيد نقلها عبر ملامح متوترة وابتسامة شيطانية ونظرات فارغة أو مشتعلة، وفق لحظة الشخصية.
رغم أن بعض المشاهد لم تنجُ من بعض المبالغة، خصوصا في تصعيد الانفعالات أو الإصرار على الشر، فإن البناء العام للشخصية ظل متماسكا. المبالغة هنا لم تُفسِد الصورة، بل ربما كانت ضرورة درامية لإبراز مدى تفكك هذه النفس، ورفضها لأي توازن أو تعاطف. المبالغة هنا مبررة نوعا ما، في ظل طبيعة الشخصية التي لا تعيش “نصف انفعال” ولا تتصرّف بنصف جنون.
اخيراً، اعذرينا ” ميرنا” أو اتعلمين ماذا؟ لا تعذرينا ، فنحن لا نتعاطف معك ، بل نكرهك، ونتمنّى سقوطك، ونحتقر أنانيتك ونرفض تبرير أفعالك تحت مظلة “المرض”. ولكننا، في المقابل، مستحيل أن نتجاهل موهبتك يا ستيفاني عطالله، انت التي منحت هذه الشخصية أبعادا صادمة، جعلتنا نعيش هذا الرفض، بكل تناقضاته، ببراعة تستحق الإشادة، وجعلتِ حضورك يطغى على كل مشهد، مهما كانت كراهيتنا لميرنا.
ستيفاني عطالله ، أبدعتِ، ونتمنى الا تشفين أبدا من مرض الشغف الفني.

Screenshot