Connect with us

ثقافة

” ويلة عيد”…لا تُقاس بمدى اكتمالها، بل بقدرتها على لمسنا.

Published

on

جوزيفين حبشي

الميلاد  ليس دائماً عيداً. أحياناً هو امتحان قاس للذاكرة، فائض أضواء يفضح العتمة في داخلنا، وزحمةُ ترانيم توقظ الغائبين واحداً واحداً. هو زمن الفرح المعلَن، وزمن الحزن الذي لا يُقال. من هنا تبدأ مسرحية «وِيلة عيد». لا من الضحك المُعلَن، بل من ذلك الشرخ الصغير بين ما يُفترض أن نشعر به وما نشعر به فعلاً.

عيد الميلاد، في جوهره، عيد التواضع. طفل وُلد في مزود، بلا زينة ولا بهرجة، لكن ولادته هزّت التاريخ.وهكذا هي هذه المسرحية: تبدو  من الخارج مزدحمة ومفرطة في زينتها، لكن قلبها بسيط، هشّ، وصادق. قلب يعرف أن المعنى لا يُصنع من القشور.

من كتابة وإخراج مايا سعيّد، وبطولة أندريه ناكوزي ووسام صبّاغ، وإنتاج مسرح District 7، لا تحاول “وِيلة عيد” أن تكون عملاً متكاملاً  أو متعالياً. هي لا تتباهى بشكلها، ولا تراهن على الإبهار. هي تراهن على الإنسان، على ضعفه، ارتباكه، ضحكته غير المكتملة، وعلى تلك الغصّة التي تسكن خلف كل ضحكة حقيقية.

Screenshot

هذه مسرحية لا تُضحكنا لأنّها ذكية فقط، بل لأنّها تشبهنا.تُضحكنا، ثم تتوقّف فجأة، كأنها تعتذر عن الفرح، وتدعونا بلطف إلى النظر في الفراغ الذي نحمله معنا إلى العيد.

في عمق النص، تحية صامتة، لكنها موجِعة.تحية من مايا سعيّد إلى والدها الطبيب الراحل، وإلى كلّ الأطباء الذين يعرفون أن العيد لا ينتظر الجميع. أولئك الذين يبدّلون دفء الطاولة العائلية بضوء الطوارئ، ويختارون الواجب حين يختار العالم الاحتفال. هذه التحية  هي نبض النص، هي فرحه، هي وجعه، وهي إنسانيته التي ترفض الادّعاء.واجمل التجارب الفنية هي المولودة من خبرات شخصية. لا شيء يضاهيها صدقا وتأثيرا، حتى لو لم تكن متقنة فنيّاً.

Advertisement
Ad placeholder

على الخشبة، يقدّم وسام صبّاغ أداءً متزناً، يعرف أن الضحك الحقيقي يحتاج صدقاً  أكثر مما يحتاج مبالغة. يمشي بخفّة بين النكتة واللحظة الإنسانية، ولا يترك المشهد يقع في فخّ الاستهلاك.

أمّا أندريه ناكوزي، فتفاجئنا بطاقة لا تهدأ.امرأة هستيرية، مهووسة بالحب من طرف واحد،تحمل فراغاً عاطفياً وعائلياً يصبح أثقل في زمن الميلاد، لأن هذا العيد يفترض أن يكون عيد الالتحام والصدق. هي امرأة تحاول أن تملأ غياباً مستحيلاً، بأي شيء: بالكلام، بالحركة، بالضحك، بالاندفاع. نضحك معها، ثم نتوقّف فجأة، لأننا نرى أنفسنا في ارتباكها.

“وِيلة عيد” مسرحية لا تخجل من هشاشتها. لا تخفي عيوبها،ولا تدّعي الكمال. هي عمل يعرف أن الفن، مثل الحياة،لا يُقاس بمدى اكتماله، بل بقدرته على أن يلمس. هي مسرحية تشبه هدية ميلادية بسيطة:قد لا تكون الاكثر  ابهارا، لكنها دافئة، ومختارة بمحبة، وتصل إلى القلب من دون استئذان.

في زمنٍ قاسٍ، تأتي “وِيلة عيد” لتقول لنا شيئاً بسيطاً، وضرورياً: أن نضحك لا يعني أننا بخير، وأن نحزن لا يعني أننا ضعفاء، وأن الإنسانية، مهما بدت متعبة، لا تزال تستحق أن نتمسّك بها… ولو قليلاً.

“ويلة عيد”، مستمرة على مسرح District 7 طوال شهر كانون الثاني 2026.

Advertisement
Ad placeholder

Screenshot


 

Continue Reading
Advertisement Ad placeholder
Advertisement Ad placeholder

التقويم

ديسمبر 2025
ن ث أرب خ ج س د
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
293031  

الارشيف

© كافة الحقوق محقوظة 2023 | أخبار الشرق الأوسط - News Me | تصميم و تطوير TRIPLEA