فن ومشاهير
“يا مين يقول لي أهوى، أسقيه بايدي قهوة”

- جوزيفين حبشي
لنكن متفقين، لا ينبلج الفجر قبل صياح الديك، ولا يبدأ الصباح ولا يروق المزاج قبل احتساء فنجان قهوة.
تلك الساحرة البنية التي تغرينا برائحتها، ومذاقها، هي تماما كحورية بحر ، تصعب مقاومتها، فتشربنا قبل أن نشربها. تُعدّها يد حنونة، تغليها وتسكبها وتدعونا للاحتفال بطقسها. نعم، للقهوة طقوسها، فهي حالة، ومزاج، وربما شخص نشتاق إليه كل صباح. لكن ما سرّها؟ هل هي تلك الحبوب السمراء؟ الرائحة؟ المرارة التي نحبها رغم كل شيء؟ أم أن القهوة، مثل الحب، لا تُفهم… بل تُعاش؟

Screenshot
فيروزتنا فهمت ذلك مبكرا، وغنّت من كلمات وألحان الأخوين رحباني: “في قهوة ع المفرق.. في موقدة وفي نار، نبقى أنا وحبيبي نفرشها بالأسرار” كأنها كانت تقصد أننا نقع في حب الحب، وفي حب القهوة، من اللحظة الأولى.
أما أسمهان، فارتبطت القهوة في أغنياتها بالعشق والغرام، و”يا مين يقول لي أهوى، أسقيه بإيدي قهوة!” فكأنها كانت تصبّ قلبها في الفنجان.

Screenshot
سميرة توفيق جسّدت كرم الضيافة عند الشرقيين والعرب حين غنّت:“بالله تصبّوا هالقهوة وزيدوها هيل، واسوقها للنشامى ع ظهور الخيل”.

Screenshot
في أغنية “قهوة الماضي”، تسكب إليسا حنينها في الفنجان، وتشرب من ذكرى والدها الراحل، كما لو أن قهوة الصباح معه طقساً مقدّساً، وكما لو أنه لا يزال هناك… ينتظرها على الطاولة نفسها، بالحب ذاته، بالحنين ذاته.

Screenshot
وفي المقلب الآخر من العالم، جلس بوب ديلان على حافة الرحيل وكتب عن الحب والفقد والقهوة في آنٍ واحد، مدركا أن الفراق يحتاج إلى قهوة، وأن آخر رشفة كفيلة بجعلنا نقول ما لا يُقال.
“One more cup of coffee for the road,
One more cup of coffee before I go To the valley below.”
”فرانك سيناترا” غنّى بصوته المبحوح عن مقهى في نيويورك،حيث كل شيء ممكن، حتى الحب من أول رشفة إسبرسو. أما “بيغي لي” فالقهوة في أغنيتها الشهيرة Black Coffee هي بديل عن الحبيب، تسهر معها، تشتكي لها، وتواسيها في ليالي الوحدة الطويلة.

Screenshot
كُثُر غنّوا للقهوة، لأنها تشبه أصلًا أغنية جميلة، عن صبية سمراء، حلوة كثيراً، حتى لو كانت مُرّة. ومع كل رشفة من عينيها البنيّتين، دعوة للغوص، وللغرق أكثر فأكثر. كل إنسان شربها،وكل فنان غنّى لها، عرف أنها ليست مجرد مشروب، بل حكاية تُروى في فناجين، وقصيدة تُشرب لا تُقرأ، وغالباً، من دون سكر.
القهوة ليست نهاية، بل بداية. بداية نهار، بداية حنين، بداية قصة. نشربها لنفيق، لكنها أحياناً توقظ فينا أشياء كنا نظنّها نائمة: حبّ قديم، صوت راحل، نظرة من عيون لم نعد نراها. هي مرآتنا الصباحية، نحدّق فيها فنشمّ رائحة من أحببناهم، أحياءً كانوا أو في الذاكرة فقط. فدعونا لا نحتسيها على عجل. دعونا نحتفي بها كما لو أنها رسالة مكتوبة بالبخار، مرسلة من قلب يعرفنا أكثر مما نظن، تماما كما فعلت إليسا، حين غنّت اشتياقها لرائحة الحنين الممزوج بنكهة البن .

Screenshot