Uncategorized
كورونا والاقتصاد العالمي
بقلم: الخبير الاقتصادي ريكاردو غضن
مع تصاعد وتيرة الإصابات بفيروس كورونا المستجد في مختلف الدول واقتراب العدد إلى أكثر من مليون مصاب، يقبع الاقتصاد العالمي تحت ضغط هائل، أدى إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم ودفع الحكومات للعمل على توفير حزم إقتصادية لمساعدة أصحاب الأعمال. وقد تناول العديد من الخبراء التداعيات الاقتصادية للفيروس لاسيما في ظل غياب أنباء عن إبتكار عقار طبي لمكافحته، كما سلط البعض الآخر على نظريات المؤامرة والشائعات التي تنعكس على إقتصاد الدول، فهم يروجون بنظرية مفادها بأن كورونا ما هو إلا سلاح بيولوجي. إذ مما لا شك فيه بأن الفيروسات التي اجتاحت العالم مؤخراً وبسرعة رهيبة هي لا تعتبر صدفة أو كارثة نزلت من السماء فهي مصنعة بتقنية عالية ما يشير بأن الحروب المقبلة هي بيولوجية وليس تقليدية يكون فيها العلم والتقنيات الحديثة إحدى الأدوات والأسلحة في تدمير… الاقتصاد.
وحسب آخر التقارير من غير المستبعد أن تكون إحدى الأجهزة المخابراتية لها دور في صناعة الوباء وسرعة إنتشاره تزامناً مع ظهور الأخبار الموجهة عبر وسائل الأعلام والحجر على مئات الملايين من البشر في منازلهم وشل الإقتصاد ككل فهو ليس بصدفة. المطلوب أن ينتشر الخوف، فالخوف من المرض وليس المرض نفسه أي السبب له تداعيات إقتصادية كبيرة!
إنتشر الفيروس في حوالي 183 دولة. وقد حدد العلماء ما لا يقل عن ثماني سلالات من فيروس كورونا المستجد الآخذ في الإنتشار حول العالم، كما تداعيات حجم الضرر الإقتصادي المتوقع فهو سلبي وخطير ويعد بخسائر جسيمة تقدر بالتريليونات من الدولارات، ولا أحد يستطيع أن يحصر الأرقام فهي في إنفلات دائم وكلها تخمينات رقمية إن كان من الحكومة الصينية وهي بداية للأزمة، والإتحاد الأوروبي وهو التكملة وصولاً إلى أميركا آخر المحطة للفيروس والمؤشر الأساسي للأسهم إذ هي في حالة يرثى لها مع هبوط تلك الأسهم بشكل هستيري إن كان من مؤشر الداو جونز الذي هبط من مستوى ال30,000 نقطة لغاية ال18,000 حتى كتابة هذه السطور، ومؤشر ال SP500الذي هبط بدوره كالصاعقة من ال2900 ليلامس ال2200 خلال شهر مارس/آذار. كما شهد بداية هذا العام 2020 وضعاً هشاً للغاية إن كان محلياً على مستوى المنطقة وعالمياً لتأتي الكورونا وتحصد أرواح الآلاف وتزيد من التأثير على وتيرة الإقتصاد العالمي عبر التعثر في التبادل التجاري، التقلبات في الأسعار وحرب البترودولار بين السعودية وروسيا.
فالولايات المتحدة التي تصدرت الصحف بعد تراجع الصين، تواجه عاصفة إقتصادية وهي في حالة من الركود كلما ظهرت إنعكاسات تفشي الكورونا. إذ تبين التقارير اليومية بأن المخاطر الصحية والإقتصادية ستكون أسوأ بكثير. فالإجراءات الاحترازية مثل تعليق الدروس، التباعد الإجتماعي والخسائر التي تكبدتها الأسهم ناهيك عن الانخفاض الكبير في أسعار النفط الذي يضر أيضاُ بإنتاج النفط الصخري الأميركي، هذا كله سيؤثر بشكل قاس على مجموعة كاملة من الصناعات الإنتاجية وهدر للأموال تصل إلى 2 تريليون دولار.
ففي ظل هذا الركود التصاعدي، فإن الإنفاق على الديون وعجز الميزانية يمكن أن يرتفعا إلى مستويات لا يمكن تحملها. نذكر هنا بأنه عندما تولى أوباما منصبه بلغت الديون عشرة تريليون دولار، ووصلت إلى عشرين تريليون دولار عندما وصل ترامب إلى الرئاسة. أما في الوقت الراهن تبلغ نسبة الدين العام حوالي 23 تريليون دولار لتشكل بذلك 107% نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي. كما زادت طلبات العاطلين عن العمل ووصل الرقم إلى 6 مليون و600 ألف طلب وظيفي في شهر آذار المنصرم وخسر 700,000 شخص وظائف تعتبر سيادية. وفي ظل بقاء ترامب تزامناً مع الكورونا إلى مستوى سيبلغ الدين العام.
والحقيقة بأن كورونا أزمة اقتصادية كما هو صحية. فأوروبا التي تعمل المستحيل للإبتعاد عن سياسات ترامب التجارية الهجومية، هي على أبواب إعلان بطريقة غير مباشرة فك الإتحاد الأوروبي الذي بين ضعفه أمام هذه الأزمة الخطيرة الإنسانية/الإقتصادية، فقد أغلقت أغلب الدول الأوروبية حدودها وتركت إسبانيا وحيدة تعاني، وإيطاليا التي تعد مصدراً رئيسياً للآلات الصناعية، المنسوجات والسلع الأخرى أصبحت منكوبة وتعطلت معظم صناعاتها وبلغت كلفة الأزمة حتى شهر مارس/آذار حواي 120 مليار دولار، إذ تم إغلاق 70% من الشركات، أما ردة فعل الشعب الإيطالي فكان إنزال وطوي علم الإتحاد الأوروبي في بعض الأقاليم ورفع أعلام روسيا، كوبا والصين تحية للمساعدات الطبية والطاقم البشري.
أما اليورو من ناحيته يتهاوى بشكل سريع، فهو ضعيف كما القارة العجوز، ويدل كل هذا بأن التكتل الأوروبي سيفقد قريباً مبرراً لوجوده حيث أن العملة أصبحت في مستوى ال 1.0700 وهي تتوجه شيئاً فشيئاً إلى رقم ال 1.0000 أي يعني واحد يورو يساوي دولاراً واحداً أو ما يسمى بال PAR، إلى أن يهبط أكثر نحو 0.9400 حيث مابدأ رسمياً بالتداول ليتلاشى بعد فترة وينتهي وتنتهي معه الوحدة الأوروبية. ناهيك عن هبوط حاد لأسعار النفط إلى مستوى 19$ للبرميل الواحد نتيجة ضعف الطلب على الخام من جراء تفشي الفيروس وزيادة الإنتاج بشكل عشوائي من قبل روسيا والسعودية، ولكن سنشهد قريباً تصحيحاً للأسعار نحو سعر ال30$.
ومن ناحيتها حذرت جولدمان ساكس في أوائل شهر أذار من أن الوباء سيكون سريع الإنتشار وسيبلغ الذروة في شهر أبريل/نيسان وسيؤدي كمرحلة أولى إلى انخفاض بمعدل %3 من النمو السنوي وبهبوط حاد لبورصة الأسهم في الولايات المتحدة وهذا ما حصل فعلاً. أما عن الصين التي استطاعت الخروج من هذه الكارثة ولو جزئياً بأقل عدد ممكن من الوفيات ترى بأن إضعاف العلاقة بالاقتصاد الأميركي سيمثل خلاصاً من حروب ترامب التجارية التي لا نهاية لها. ويتابع التقرير بأنه سنشهد هبوطاً حاداً ثم انتعاشا سريعاً للأنشطة الاقتصادية في الصين، حيث أن السيناريو المرجح أن نرى تغيراً على شكل V في الرسومات البيانية (Chart)، أي هبوط حاد في الأنشطة التجارية وبورصات الأسهم في بكين يعقبه انتعاش سريع واحتواء تأثير الهبوط على الاقتصاد الصيني وبالتالي على الاقتصاد العالمي ككل كون الصين تتحضر لتصبح المؤثر الفعلي للحركة الاقتصادية في العالم.
أما في وكالة بلومبرغ يتوقع الخبراء أن يكون العام الحالي الأسوأ منذ الركود الاقتصادي الذي بلغ ذروته في عام 2009، وأن يفقد الناتج العالمي حوالي 3 تريليون دولار نهاية 2020 وانخفاض النمو في الولايات المتحدة إلى أقل من %2 ، الصين %3 ، وآسيا %2 ، وهذا نتيجة التراجعات الحادة في الطلب المحلي، السياحة، التجارة وروابط الإنتاج فضلاً عن تعطيل الإمدادات. نطاق النتائج هذه كبيرة جداً ويعتمد على انتشار الفيروس والتبعات الاقتصادية الناجمة وكلها أمور تكتنفها ضبابية مرتفعة.
إذ تؤكد آخر دراسة للأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) بأن تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى أقل من %2 قد يكلف نحو 2 تريليون دولار لغاية الآن(كما ذكرنا سابقاً). وهذا الرقم بدأ ترامب بطباعته في البنك الفيديرالي الذي سيكون عبئاً وديوناً على الشعب الأميركي. وهذا كله مزيج من انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون وإقفال المؤسسات كل ذلك يشكل دوامة من التراجع تؤدي إلى إفلاس واسع النطاق وربما تتسبب “بلحظة مينسكي” وهي انهيار مفاجئ لقيم الأصول حسب تقرير الأونكتاد.
وهذا فعلاً ما تبينه إنهيار أسعار أسهم كل الشركات الصناعية، التجارية، التكنولوجية، الطاقة وشركات الطيران التي سجلت خسائر بقيمة $120 مليار وفقدان 25 مليون وظيفة في العالم. كل هذا يشكل العامل المساهم للشعور بعدم الراحة، فهذه التقلبات الجنونية تشير إلى عالم شديد القلق من الصعب التنبؤ بحركة أسواقه وحتى إمكانية تحديد خط القاع لها.
وفي النهاية نتيجة لهذه الأزمة المستجدة إن من ناحية فيروس الكورونا المتوقع تراجع تأثيره الصحي في أوائل الصيف على أمنيات أن لا يعود في أوائل الخريف كما يحكى، أو من ناحية الحديث عن إعادة توازن القوى بين الشرق والغرب المتمثل بصراع اقتصادي واضح، فهناك من يقول بأن قوى عظمى تنبثق الآن إقتصادياً، عسكرياً، تجارياً، وهذه القوى تريد إعادة تشكيل الأسواق العالمية بهيكلية جديدة بما يخدم مصالحهما وهذا ما سيحصل في السنوات القليلة المقبلة ونحن نتكلم عن: الصين وروسيا.
وهناك مقولة أخرى تبين إلى نظام عالمي جديد سينشأ يقوده قطبان: الولايات المتحدة والصين وينتج عنه عالم مختلف. مع العلم بأن الصراع ليس خلافاً على التجارة والتعرفة الجمركية، الصراع هو أن بروز الصين كأمر واقع وقوة عظمى ومنافسة لأميركا اقتصادياً وتقنياً. فالصين ترفض الجلوس والتفاوض مع الإدارة الأميركية فهي ليست لديها أية رغبة في قيادة العالم، وهي التي نجحت في تمددها الاقتصادي البحت المبني على فكرة شق “طريق الحرير” مع كل قارة وهذا ما أثار حفيظة الأميركيين.
ألأشهر القادمة ستبين أي من هذه النظريتان هي الصائبة وستبين قدرة العلم على السيطرة والقضاء نهائياً عل الكورونا خاصة بعد تداول أخبار عن إلقاء القبض على العالم البروفسور في جامعة هارفرد مخترع الكورونا تشارلز لايبر. فهل هو فعلاً الشخص المخترع، وهل لديه العلاج، أم هذا كله سيناريو من السيناريوهات المخابراتية المعتمدة.
وفي الختام لا بد من القول بأن رب ضارة نافعة. فبمجيء الكورونا اصبحت الشوارع هادئة، اختفت الزحمة، لا ضجيج، انخفاض في التلوث بنسبة 50%، مع إن الأضرار الصحية بالآلاف أما الأضرار المالية فبمئات المليارات. إن الكورونا هي حتماً من صنع الإنسان الفيروس الوحيد على هذه الكرة الأرضية.