مرأة
امرأة ونقطة انتهى

جوزيفين حبشي
ايمانويل وبريجيت ماكرون يستعدّان لتقديم أدلّة علمية وصور فوتوغرافية في محكمة في ولاية ديلاوير بالولايات المتحدة ضد كانديس أوينز، ليثبتوا أن ادعاءاتها حول هوية بريجيت الجنسية غير صحيحة.
يزعجني جدا كل ما يحصل، ولا تهمني الحقيقة التي قد تكون حقيقة او لا، التي تروّج لها كانديس او ينز تلك . ما خصها هي؟؟؟؟ والاغرب انها امرأة. ما يحصل مع بريجيت ماكرون هو هجوم على الهوية، على الكرامة، وعلى كل امرأة. من حق الإنسان أنّ تُقبل هويّته من دون أن يُطلب منه أن «يثبت» شيء فطريّ عن نفسه. مطالبة امرأة بأن تُثبت أنها امرأة هو إنقاص لكرامتها، وفتح الباب لمهاجمة أي امرأة على أساس شكوك، تمييز، تحقير. هو أيضاً وسيلة من وسائل العنف الرمزي: استهداف السمعة، نشر الأكاذيب التي تزرع الشك وتسلب الثقة، ليست فقط مع بريجيت ماكرون بل مع أي امرأة في مجال عام وخاص. مثل هذه الشائعات تغذي ثقافة التمييز والتحقير، تجعل النساء مضطرات للدفاع عن أمور لا يجب أن يُطلب منهن الدفاع عنها أصلاً، وتُضيّع الجهد الذي يمكن أن يُستخدم لتحسين حقوقهن في التعليم، العمل، المساواة. لذلك اجدني اليوم مرغمة على رفع الصوت، والقول : ايتها المرأة، منذ متى صار لزاما عليكِ أن ترفعي هويتكِ على مذبح الشكّ، وتقدّمي جسدكِ كورقة ثبوتيّة، لتقنعي الآخرين بما تعرفينه عن نفسكِ منذ اللحظة الأولى لوعيكِ؟
منذ متى صار العالم يطلب من المرأة أن تبرهن أنوثتها، كأنّها تهمة؟
كأنّ الانوثة ليست روحا، بل ملفًّا مفتوحا للتحقيق؟
لننظر كلنا لما جرى مع بريجيت ماكرون، زوجة رئيس فرنسا. امرأة في السبعين من عمرها، أمّ، وجدّة، ومعلّمة سابقة، وقفت إلى جانب زوجها في أقسى محطات السياسة. فإذا بحملات التشويه تنهال عليها، تتّهمها بأنها لم تولد أنثى، وبأن اسمها الحقيقي “جان ميشال”!
شائعات خبيثة تغذّيها أحقاد، وتستند إلى أكثر ما يمكن أن يؤذي امرأة: شكلها، سنّها، جسدها.
كانت تلك الشائعات في حقيقتها تنمّرا على مظهرها، على ملامحها الناضجة، على جسد لا يخضع لقوالب الجمال المصنّعة. قالوا: “تبدو طويلة، نحيفة، عظام وجهها حادة…” فكأنّهم يقولون: “إذا لم تُرضينا شكليا، لن نعتبركِ امرأة”. وهنا الجريمة الحقيقية:
أن تتحوّل الأنوثة إلى سجنٍ شكليّ، ومقياسها إلى وجه ناعم أو جسد محدد، لا روح، ولا حضور، ولا عقل.
شائعات بدأت في الظلام، وتسلّلت إلى العلن، تغذّيها جهات متطرفة، مؤثّرات، ومهووسون بـ”كشف الحقيقة” المزعومة عن جسد امرأة.
لكن الحقيقة الوحيدة التي انكشفت،
هي أن كل امرأة، أيًّا كان عمرها، منصبها، أو حياتها، تظلّ مهددة بأن تُسحب منها هويتها ، فقط لأنّها امرأة.
حين تُتَّهم امرأة بأنها “ليست امرأة”، لا يُطعَن فيها وحدها، بل في كل النساء. في كل رحم حَمِل، في كل صدر أرضع، في كل نظرة، خطوة، دمعة، فكرة، في كل جُرح تُرك مفتوحا فقط لأنها امرأة.
أيّتها المرأة المُتَّهَمة بأنوثتك، أنتِ لستِ مضطرة لأن تشرحي شيئًا لأحد.
لا لجمهور فضولي، ولا لقاضٍ أعمى، ولا لحشود تأكل أعراض النساء وهي تضحك.
الأنوثة ليست مستندا رسميا، ولا تقريرا طبّيا، ولا تحليلا جينيّاً.
الأنوثة حقّكِ في أن تكوني كما أنتِ، أن تُعرَفي بما تُعرِّفين به نفسك، لا بما يُسقطه الآخرون عليكِ من وهمهم، وخوفهم، وسُخريّتهم.
كل امرأة تتّهم بأنها “ليست امرأة”، هي صَفعة لكرامة النساء جميعا.
هي خيانة للمساحة الآمنة التي يفترض أن نحياها من دون قلق، من دون دفاعٍ عن بديهياتنا، من دون تبريرٍ لوجودنا.
هذه الحرب ليست عن بريجيت ماكرون وحدها، بل عن كل امرأة ناجحة، قوية، صامدة، جعلت البعض يتساءل: “هل هي امرأة فعلاً؟ أم ماذا؟”
لذلك دعونا نقول لهم: كفى. لسنا مضطرات لتقديم الدليل. لسنا مضطرات للخضوع للفحص. لسنا مضطرات للرد. نحن نساء. جميلات كنّا أو لا، بدينات كنّا او لا، ذكيات كنّا او لا ، شابات كنّا أو لا ، ناعمات كنّا أو لا، نحن نساء. ولن نعتذر عن ذلك، ولن نُبرّر.

Screenshot