Connect with us

ثقافة

ندى ابو فرحات “آخدة كسرة” على الابداع ، مهما كان الظرف

Published

on

جوزيفين حبشي

مسرح الحكواتي، بالنسبة إليّ، هو أصعب وأصدق أنواع المسرح. يقوم على شخص واحد يحمل على كتفيه عبء الحكاية كلّها، فيسرد تجربة واقعية بأسلوب آسر، يعتمد على قوة الكلمة والأداء الصوتي والجسدي أكثر من أي ديكور  أو مؤثر  بصري. في هذا المسرح، الصدق هو الزينة الوحيدة، والإنسان هو المشهد بأكمله.

حتى البارحة ،  كان روجيه عسّاف، ونضال الأشقر، ورفيق علي أحمد من أبرز  روّاد مسرح الحكواتي في لبنان، ومعهم زياد الرحباني، الذي وإن لم يكن حكواتيا  بالمعنى  الحرفي، إلا أن أعماله (مثل فيلم أميركي طويل وبالنسبة لبكرا شو ) حملت روح الحكواتي في لغتها الساخرة وتفاعلها الصادق مع الجمهور.

لكن البارحة، في عرض “آخدة كسرة”، اكتشفت حكواتية جديدة انضمت إلى هؤلاء الكبار: ندى أبو فرحات… ومعها رِجلها المكسورة، اللتان كانتا معا بطلتيّ عرضٍ استثنائي من البوح التراجي–كوميدي، مسرحية ضاحكة حتى الدموع وموجِعة  حتى الضحك، تروي تجربة شخصية تختصر وجع وطنٍ بأكمله.

بين الكوميديا والتراجيديا، قدمت ندى ابو فرحات وجع يضحكنا وكسرة تشبهنا. هي لم تكن تحكي عن سقوطٍ في حفرة ريغار فُقد غطاؤه في مار مخايل فحسب، بل عن سقوطنا جميعا في حفرة هذا البلد الموجوع. بلد لا تتوافر فيه أبسط مقومات الأمان، ويتقن مسؤولوه فنّ اللامسؤولية. في كل شارع، يتربص بنا انفجار  أو  حرب أو حفرة، وفي كل يوم نسقط ثم نضحك لنكمل الطريق، كما فعلت ندى تماما.

Advertisement
Ad placeholder

Screenshot

قبل “آخدة كسرة” كنت أعرف ندى كممثلة محترفة، ولكنّ البارحة اكتشفت  فيها الإنسانة العارية من الأقنعة. ظهرت بصدقها، بوجعها النفسي والجسدي ، بقلقها الانثوي والانساني، بخوفها من العمر والمجهول،  بصبرها، برجِلها المحطمة وروحها المشروخة، بجسد يحمل آثار السقوط ونفسٍ لا تزال تنهض رغم الكسور. سخرت من واقعها، ومن بلدها، ومن نفسها، كما لو  أنّ السخرية آخر أشكال النجاة الممكنة.

دخلت ندى إلى مسرح لا سيتيه في جونية على كرسي متحرك، تحمل عكازتين هما كل ديكور العرض ، وروح تشعل الخشبة . لا حاجة لمؤثرات، فقد كانت هي وحدها المشهد كله.

دخلت ندى  على كرسي متحرك،  حاملة معها عكازتين هما كل ديكورها، ورِجل مكسورة بسبب سقوط في ريغار، سُرق غطاؤه في منطقة مار مخايل. ولكن  مار شربل وسيدة ايليج،  زميلا مار مخايل ( مسبب الازمة) ، وهضامة ندى وحضورها الآسر  ورشاقة تنقلاتها الانفعالية من حالة الى حالة، من موقف الى حادث، من ذكرى الى قصة، تكفلوا كلهم بحلحلة وضعها ، وتثبيتنا على كراسينا ، من دون ان يهز لنا رمش انبهارا.

آخدة كسرة، من كتابة ندى أبو فرحات وإخراج زوجها إيلي كمال، ليست مجرد رواية عن حادثٍ جسدي تسبب لها بعدة كسور في اصابع قدمها وخضوعها لعملية جراحية  وعجز عن الحركة لمدة ستة اشهر . إنها رحلة علاج  على الخشبة، مليئة بالمشاعر المتناقضة: الألم والضحك، البكاء والسخرية، الاعتراف والتصالح. علاج مسرحي يروي ولادةً جديدة من العجز، تقوده ممثلة قررت هذه المرة ألا تُمثّل، بل أن تعيش حقيقتها على الخشبة كاملة، بكل وجعها ومرحها وهشاشتها. ندى في آخدة كسرة لم تكن تؤدي دوراً، كانت تحيا لحظتها، وتُشركنا فيها. كانت تروي قصتها، لكنها في العمق كانت تروي قصتنا نحن . نحن المكسورين الذين نضحك كي لا نبكي، ونسير بعكازاتٍ غير مرئية في شوارعٍ مثقوبة الأمل.

بهذا العرض، تؤكد ندى أبو فرحات أن الحياة مسرح  ، بطله صوت امرأة تنهض من حفرتها بالضحك، وتحوّل ألمها الشخصي إلى مرآة تعكس وجع وطن بأكمله.

رائعة انت يا ندى، و نرجوكِ أن تأخذي كسرة على هذا النوع من المسرح التفاعلي  تحديدا، لأنك تتألقين عندما تتقمصين شخصيات متخيّلة، وتبدعين أكثر عندما تكونين انتِ. 

Advertisement
Ad placeholder
Continue Reading
Advertisement Ad placeholder
Advertisement Ad placeholder

التقويم

نوفمبر 2025
ن ث أرب خ ج س د
 12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930

الارشيف

© كافة الحقوق محقوظة 2023 | أخبار الشرق الأوسط - News Me | تصميم و تطوير TRIPLEA