فن ومشاهير
“الست” بين الإعجاب والجدل: قراءة شخصية
جوزيفين حبشي
رغم الضجيج الذي أحاط بفيلم “الست ” منذ الإعلان عنه، أنا شخصيا أحببت الفيلم بشدة. تجربة فنية نادرة وممتعة، تفتح نافذة جديدة على شخصية أم كلثوم بطريقة جريئة، بعيدة عن التقليد أو التقديس المفرط.
صحيح أن الفيلم الذي كتبه احمد مراد واخرجه مروان حامد ، أثار جدلا واسعا قبل عرضه وبعده. البعض انتقد اختياراته الفنية والتمثيلية وبعض محطات حياة كوكب الشرق التي لم تُعرض، بينما أُعجب آخرون بالمستوى الفني والإخراج الراقي. بالنسبة لي، هذه الانتقادات لا تقلل من قيمة الفيلم، بل تجعل النقاش حوله أكثر إثارة وعمقا.
Screenshot
نعم، الصحافة انقسمت بين من رأى في العمل جرأة غير محسوبة، ومن اعتبره محاولة جادة لفك الاشتباك بين الأسطورة والإنسانة. وبين هذين الموقفين، أرى الفيلم كعمل فني اختار أن لا ينافس الصورة المحفورة في أذهان الناس، بل أن يدور حولها، يلمسها أحيانا ويتراجع أحيانا أخرى.
من الناحية الفنية، يحسب لفيلم مروان حامد ، عنايته العالية بالصورة، الإضاءة، حركة الكاميرا، وتصميم المشاهد، التي لم تُستخدم كزينة زمنية فقط، بل كأدوات سرد تنقل المتفرج إلى مناخ عصر كامل، بحيث لا يشعر المشاهد أنه أمام مجرد فيلم سيرة تقليدي، بل أمام تجربة سينمائية متكاملة. الموسيقى، رغم صعوبة تقديمها، وُضعت في سياق درامي يخدم المشهد والشخصية بدلا من مجرد الاستعراض، وهذا ما أضاف للفيلم بعدا إنسانيا أصيلا. كل هذه التفاصيل جعلت الفيلم أشبه بتجربة سينمائية عالمية في البناء والرؤية، مع الحفاظ على الروح العربية للموسيقى والشخصية.
Screenshot
أما النجمة منى زكي التي طاولتها انتقادات عديدة، . فقد أثبتت أنها ممثلة استثنائية . لم تدخل الدور من باب التقليد، بل أحست بالست امرأةً حقيقية، بصراعاتها الداخلية وقوتها وعزلتها أحيانا. أداؤها دقيق، من حركة العينين إلى نبرة الصوت، وقد نجحت في نقل شخصية أسطورة بحجم أم كلثوم بطريقة إنسانية. لقد جعلتنا نراها من خلال رؤية جديدة، من دون أن نفقد الإحساس بعظمتها، وهذا برأيي هو الإنجاز الذي جعل الفيلم حيويا ومؤثرا ، ومنح المشاهد فرصة لرؤية أم كلثوم المرأة قبل الأيقونة.
الانتقادات التي طالت الفيلم، تركزت ايضا على اختزال محطات مهمة في حياة أم كلثوم، و تقديم بعض الشخصيات من زوايا اعتبرها البعض “بعيدة عن الهيبة المعهودة”. هذا الاختزال كان خيارا واعيا، يتيح التركيز على صراعات الشخصية الرئيسية ولحظات حاسمة من حياتها، ما يعطي الفيلم بعدا دراميا أقوى من مجرد التوثيق الزمني. كذلك، ورغم أن بعض الشخصيات المحيطة بالست لم تُعرض بالكامل، فإن هذا يعكس رؤية الفيلم المركزية: أم كلثوم ليست نتاج شبكة علاقات فحسب، هي كوكب و مركز ثقل يدور حوله الجميع، أحيانا بوضوح وأحيانا من الظل.
باختصار، فيلم “الست” بالنسبة لي تجربة فنية غنية، تحترم ذكاء المشاهد وتفتح نافذة على شخصية أيقونية بطريقة إنسانية ومدروسة. قد لا يكون الفيلم مُرضيا للجميع، لكنه بالتأكيد فيلم يستحق النقاش والتقدير، ويُعيد التفكير في أيقوناتنا بعيدا عن إطار التقديس الجامد.
