فن ومشاهير
لماذا نعشق اليسا؟

جوزيفين حبشي
لماذا اعشق اليسا، ولماذا الملايين غيري يعشقونها مثلي واكثر؟ لأنها حالة وجدانية نادرة، امرأة من صلب التحدي ومن روح الإيمان بالحياة، تسير بثبات رغم العواصف، وتُشعل قلوب محبّيها بما تُغنّيه وتعيشه وتُعبّر عنه. هي ليست من أولئك الذين يخشون الكسر، بل من أولئك الذين يولدون من رماد الألم أقوى، أجمل، وأكثر صدقًا.

Screenshot
هي امرأة المواجهة لا التراجع. حين تسلل المرض الخبيث إلى جسدها، لم تنكسر، ولم تخرج إلى الضوء باكية، بل انتصرت أولاً ثم أعلنت ما جرى، وكأنها تقول للعالم: “أنا لا أُهزم. ومثلي انتم لا تُهزمون”. واجهت السرطان وحدها، بجرأة المقاتل وقلب مؤمن، ثم وقفت كأن شيئًا لم يكن، لكن كل شيء كان.
لم تكن حربها مع المرض وحده. إليسا واجهت التنمّر، وواجهت الحقد، وواجهت تلك النظرات المسمومة التي لم تحتمل صدقها وجرأتها. لم تخف أن تكون على طبيعتها، أن تقول ما تفكر به، أن تُجاهر بحبها للبنان الجريح، أن تُعارض، أن تُعبّر، أن تُصرّح… لأن الصمت خيانة حين تكون الكلمة شرف.
لبنان ليس مجرّد وطن في حياة إليسا، بل هو الأرض التي أنجبتها، والهواء الذي تتنفسه، والوجع الذي يسكن ملامحها. رغم كل ما مرّ به، لم تغادره، ولم تتخلَّ عنه. بقيت فيه، تُغني له، تصرخ لأجله، تحلم معه… كأنها تؤمن أن بقاءها فيه مقاومة، وصمودها على أرضه رسالة حب لا تموت. جذورها ضاربة في تُربته، وعنادها الجميل يردد دائمًا: “سأبقى هنا، حيث غُرِست أول أحلامي”.

Screenshot
وفي داخل هذه المرأة المضيئة، إيمان لا يتزعزع بأن خلف كل نهاية بداية جديدة، وخلف كل دمعة تختبئ ابتسامة. تعيش الأمل كما تعيش الألم، وترى في كل انكسار فرصة للنهوض، وفي كل ظلمة ضوءا ينتظر أن يسطع.
إليسا، هي النجمة التي كسرت القواعد، ووقفت بين الكبار عالميا، حصدت الجوائز التي لم تطرق بابها بل فتحتها لها القلوب والعقول والعمل الجاد والمثابرة الدائمة والذكاء المصحوب بعاطفة قلّ مثيلها. على المنصات العالمية، وقفت، غنّت، حصدت التصفيق والجوائز ، لأنها تُجيد أن تكون نفسها، وهذا أصعب ما يمكن لفنان أن يكونه.

Screenshot
إليسا لم تكن فقط صوتاً نغني معه، بل كانت مدرسة حياة. معها تعلّمنا أن نقف، أن نأخذ مواقف، أن نحب ونعشق ونتألم ونتحدى ونُكمل الطريق دون أن نخضع. أن نحزن دون أن ننهار، ونحلم رغم الخذلان، ونقاوم رغم التعب. كل أغنية من أغانيها كانت رفيقة محطة من محطات حياتنا، وكل موقف جريء تتخذه ضد الفساد، ضد الانكسار، ضد الظلم، يُعلّمنا الكثير، ويوقظ فينا ما كدنا ننساه: الكرامة، والصدق، والجرأة.
حلم الأمومة كان في قلبها، نعم. لكنها أنجبت من نوعٍ آخر: أنجبت أغانٍ عاشها كل العشاق، أنجبت ملامح حُبّ في صوتها، أنجبت زمناً من الذكريات، جعلت من كل مستمع لها شريكاً في الحلم، وفي الخيبة، وفي التوق إلى الأمان.

Screenshot
إليسا ليست فنانة عادية… هي مدرسة في الصدق، ومرآة لكل من لا يخاف أن يكون على طبيعته. بصوتها كتبنا فصول الحب، وبصراحتها تعلمنا كيف نحمي كرامتنا. هي صوت القلب، ورفيقة العمر، والمرأة التي علّمتنا أن الحياة، رغم قسوتها، تستحق أن تُعاش بكرامة، بحب، وبصوت مرتفع.
ويبقى في قلب إليسا جرح لا يشفى… والدها الراحل، صديقها الأول، ومعلمها، وبوصلتها العاطفية. غيابه لم يُنسَ، ولا يُنسى. تذكره في أغانيها، في نظراتها، في مواقفها، وكأنها تحاول أن تقول له دائما: “أنا كما أردتني، قوية، صادقة، حنونة”.

Screenshot