ثقافة
في زمن ال AI , أحن الى غبائي الطبيعي

جوزيفين حبشي
في هذا الزمن الأغبر ، زمن القنابل النووية وروائح الموت التكنولوجي، لدي حنين ونوستالجيا لرائحة التراب المبلول بأول قطرات مطر في اواخر ايلول، واروما قهوة أمي، وعطر منقوشة الكشك والزعتر من يد “التيتا” على التنّور في دير الاحمر ، الذي يتفوّق برائحته الاستثنائية على كافة عطور شانيل وايف سان لوران وديور الفرنسية.
في زمن ” التخلّف ” التكنولوجي وموت الاطفال والاحلام والغد جوعاً وبكبسة زر احتفاءاً بالكراهية والسلطة والهيّمنة ، لدي حنين لرائحة كاسة مغلي مطرّزة باللوز والصنوبر وجوز الهند ، احتفاءاً بولادة طفل كان لا يزال يأمل ان لديه فرصة للعيش والحلم، لرائحة ” سنيّنية” القمح التي تشق القلب، عندما يشق اول سن، فتدق الامهات على ابواب الجيران حاملات الصحون المزيّنة بال”بون بون”. حتى الى رائحة جبنة “بيكون” ومرتديلا “مالينغ” بالخبز البائت ايام الحرب، لدي حنين، فتلك الايام ورغم قساوتها، كانت تشعرنا بالامان في ملجأ يحضنه حضن الامهات والاباء.
في زمن الشات جي بي تي والتواصل الافتراضي، لدي حنين لجسات اصدقاء واحباء من لحم ودم ، يقرأون نظراتي وليس شاشة بين ايديهم. لدي حنين لمحادثات تُسمع بالقلب وليس بواسطة voice message, لضحكات لا تمتّ لل LOL بأية صلة قرابة، لقبلة تُطبع على وجنتي، وليس على خدّ “واتساب” هاتفي.
في زمن الصواريخ البالستية التي تسير اسرع من الضوء ، والتاريخ المكتوب بالدم ، لدي حنين لرسالة تُكتب بخط اليد، اترقّب وصولها على النافذة، تلوح عندما يلوح خيال ساعي بريد في الافق، لوحته الشمس باللون الاسمر، لا يشبه بجسده الممتلئ الخطين الرماديين الرفيعين اللذين متى تحولا ازرقين، لا تعود الاعذار نافعة ومهمّة مع تأخّر الردّ.
في زمن التطوّر التكنولوجي والتخلّف الاخلاقي والاجتماعي والثقافي والفني، والغاية تبرر الوسيلة ، أحن الى زمن المبادئ والكرامة التي تربّيت عليها، الى لحن جميل ، لا ايقاع كابوسي فيه ولا “تا تا تك تك دوم دام ” يجمّد الدم في عروقي ويمنعني ان احلم. احنّ الى قصيدة لنزار قباني لا نكد فيها ولا رملاء. الى صوت عابق بسحر فيروز و زغردة صباح وشغف عبد الحليم و احساس اليسا وملائكية ماريلين نعمان، بركي نغطّي على النشاز.
في زمن التحّولات في الشكل والمضمون، وتقنيات النفخ والحشو و “تكساس” الحنك وطق الحنك والوجوه المتلوّنة حسب الظرف والمصلحة ، أحن الى الطبيعة والانوثة وملامح حقيقة لا تتبدّل ، وتجعيدة تخبرني كم عشت وفرحت وضحكت وتألمت وحزنت واختبرت.
في زمن الوهم أحن لكل ما هو حقيقي، صادق، طبيعي. في زمن الذكاء الاصطناعي والتطوّر التكنولوجي ، أحن الى غبائي الطبيعي وتخلّفي المقصود ورفضي ان اواكب زمناً لا يشبهني.