ثقافة
أماني بزي، الأم التي تبكي للمرة الأول

كتب الاعلامي ريكاردو كرم على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي:
زرتُ عند هذا المساء أماني بزي، المرأة التي فقدت زوجها وأطفالها الثلاثة في ٢١ أيلول في بنت جبيل، جنوب لبنان.
طلبت أن تراني… فذهبت. جلست معها ساعتين.
استمعت إليها وهي تفتح قلبها ببطء … وجعٌ يفيض من بين كلماتها، ودموع لم تعرف طريقها إلى الخدّين منذ ذلك اليوم المشؤوم.
قالت لي إنها لأول مرة تبكي منذ المأساة.
ابنتها ما زالت في غيبوبة في العناية الفائقة، تصارع من أجل الحياة.
وهي نفسها تحاول أن تشفي جراح الجسد، لأنّ جراح النفس لا تُشفى أبداً.
تعّرفت إلى امرأة في ال٣٣ من العمر، درست في مدارس الراهبات حيث تآلفت مع التعليم المسيحي، وواصلت طريقها الأكاديمي حتى تخرّجت من جامعة الروح القدس – الكسليك. امرأة عاشت للحب والعائلة، لأطفالها وزوجها، وكان بيتها عامراً بالضحك والدفء والإيمان.
وفي لحظة واحدة، خسرت كل شيء.
جلست أمام سيدة لم يزرها سوى قلّة قليلة من كبار هذا البلد، ولا حتى من الذين يرفعون الشعارات عن الرحمة والإنسانية.
لم تتلقَّ أية كلمة عزاء من مسؤول إلّا من قلّة قليلة. فقط الصمت، والخذلان، والوجع.
تحدثنا طويلاً … ساعتان من الكلام والسكوت والدموع.
كانت والدتها إلى جانبها، تهمس لها بالدعاء، تمسح عنها الحزن الذي لا يُمسح.
لكن وسط هذا الركام، وجدتُ امرأة من نورٍ نادر:
حكيمة، متزّنة، واضحة، ووطنية حتى العظم. امرأة فقدت كل شيء، لكنها لم تفقد كرامتها ولا حبّها لوطنها.
قبل أن أغادر، قدّمت لي قطعة شوكولا قالت إنها “عن روح أطفالها” … لتذكّرهم.
جاءتها دعوات من كلّ مكان وصلوات من دير “مار شربل” في عنّايا.
نزعتُ سوار سيدة لورد العجائبية الذي أضعه في معصمي ليل نهار، وأعطيتها إياه. وهي وضعته على يدها، رجاءً أن يُشفى قلبها وطفلتها.
خرجت من عندها وأنا أحمل نظرتها … تلك النظرة التي لا تُنسى، نظرة تقول كل شيء عن بلدٍ ترك أبناءه وحدهم أمام العواصف.
صلّوا لأجلها.